لا شيء يمكن أن يعادل طاقة أمل منفتحة على الناس.. أيما شيء يمنح تلك الجماهير إحساسها بـ(الباكر الضواي) هو ما يجب أن تفرح له كل نفس سوية وكل وجدان سليم..
بالأمل الذي كان حاضراً بالأمس صبّرت قلبي وعشت في دنيا الأماني .. هدهدنا بكلمات محمد ناجي الأصم أشواقنا المعتملة في سودان يبنيه الأمل والإرادة الحرة في التواثق والارتباط النبيل بقيم المواطنة، وصدقنا الكلام.. واحتفلنا، على وعي بأن ما سطرته كلمات الأصم الطويلة تمثل بياناً أول من نمل هذا الانتقال، سنكتبها على لحى الأشجار وصُم الحجارة لنُعيد استحضارها والاستذكار .. فتلك أول تقدمة (ممسوكة) كما وانها تمثل استفتاحاً معلناً لبرنامج ورؤية حكومتنا القادمة في ثوبها المنتقى.
وها نحن نجتاز تلك الحالة الثورية إلى مرحلة تحولت فيها الثورة إلى الدولة بما في ذلك من مهام وصعوبات لا تشابه أيام (بس انت حاول بيت).
نحن الآن وجميعنا تحت مسئولية قادتنا الجدد وفي رقبتهم، دمنا ومالنا ومقدراتنا والآمال.. كل تلك الحناجر والقلوب تستحق أن نحمل إلى إشفاقها ميثاقاً غليظاً بالعمل على استدامة تلك الروح المتسامحة التي بثتها كلمات الأصم المطولة.. ولتصمت وإلى الأبد تخرّصات الانتقام والتشفي وحناجر الحقد اللئيمة المتعدية السافرة والسادرة بلا مسوغ في غياهب الظلام الذي لا يفضي إلا لمزيد من الإظلام و(التلتلة والمزازاة) المرهقة وللجميع حاكمين ومحكومين. .
حكمت الإنقاذ شعبها ثلاثين عاماً..لم تكن كل تلك الثلاثين عاماً جحيماً خالصاً وملكاً عضوداً.. على ما في تلك السنوات من نقائص ومساوئ وثقوب فإن ثمة إشراقات لا حصر لها واجتهادات حاضرة وماثلة… وإلا فما الذي جلب ناجي الأصم من فردوس اغترابه مع ذويه في الخليج، ليأتي إلى الأبيض لينعم بظلال من رعاية وجهد البروفيسور فتحي خليفة المضني والذي أفلح فيما أفلح وبرغم الحصار في تخريجه طبيباَ شاطرًا في (شكل منقة).
نريد أن نفعل شيئاً أفضل لبلادنا، من حقنا نحلم (ومين يمنعنا).. لكن البدايات الصفرية مريبة وقاحلة وسوداوية.. وكما حدثنا الأصم في إلياذته المجيدة عن فرصة غرمائه وشركائهم المتوفرة لبناء الوطن فلنمح الماضي القريب بعض الانتصاف لنبني على ما هو جيد وصالح وجميل فيه، وليكب كل مفسد مجرم على مناخيره في أتون العذاب عتل بعد ذلك زنيم..
لا نريد أن ننغص للناس فرحتهم الداوية فقد رضينا بتمظهرات المقولة (راجل أمك ياهو أبوك), ولكن ما فعلته بنا بعض الأيادي خلسة في اليومين ما قبل التوقيع مفزع وفادح وقبيح.. ذلك الالتفاف الفج علي ترشيحات رئيس القضاء والنائب العام..التفاف علينا وعلي العسكري وعلى الوثيقة الدستورية نفسها في محاولة بغيضة لدرعها في رقبة المجلس العسكري.. تلك الأيدي العابثة كادت أن تفعلها وما بين غمضة عين كدنا أن نحيل كل أحلامنا في دولة مدنية إلى رماد التكتيكات الحزبية و(دفن الليل أب كراعاً برة) لنصحو على ظلام قديم جديد، تذهب فيه كل التعهدات المبذولة بقضاء عادل ومستقل أدراج الريح ولتصبح السلطات جميعها تحمل وسماً واحداً وتمارس رقصة واحدة، ويكون المايسترو الذي يضبط إيقاعها منحازاً وفاتية وعينو بيضا وشرار و(البلد بلدنا ونحن اسيادا والبرفع راسو بنقطع راسو).. شكرا للمجلس العسكري وهو ينتبه لتلك (الماسورة) وفي الدقيقة تسعين..
بس ربك ستر.. ونجانا من ود الحافظ.