عبد الله مسار يكتب: العقد الاجتماعي
عبد الله مسار يكتب: العقد الاجتماعي
الدولة السودانية دولة قائمة على التراضي بين أبنائها دون دستور أو عقد اجتماعي مكتوب، وهي كانت دويلات أو ممالك كلها تتمتع بحكم مستقل، وفيها حضارات قديمة، بعضها قام على شواطئ النيل وبعضها بعيدة عنه، وجمعت دولة السودان بشكلها الحالي في العصر الحديث، وهي أجناس وثقافات متنوعة شكلها بشكلها الاستعمار، وهي استقلت من الاستعمار البريطاني في عام 1956م بتدافع أبنائها دون قتال يُذكر، واستفادت للحصول على هذا الاستقلال من الحرب العالمية الثانية التي قاتلت فيها قوات دفاع السودان بالشرق في مناطق كرنك، وكذلك في الشمال والغرب في حرب ليبيا والعلمين، وأخذت وعداً بالاستقلال حال النصر.
قامت دولة السودان بعد الاستقلال بالحماس ضد الاستعمار دون قيام دستور والذي لم يتم حتى الآن، ولا الاتفاق على عقد اجتماعي
يحدد المواطن بالدولة، لأن العقد الاجتماعي يعني تنازل الشخص عن بعض حرياته وحقوقه مقابل حماية الدولة له، لأن المواطنة حقٌ يكفله الدستور ويكفل فيه حقوقا متساوية لصالح المواطن الذي ينتمي لهذه الدولة، وهذه الحقوق مجملة يتمتع بها الكل، ولكن يتنازل الشخص من بعضها مقابل خدمات تقدمها الدولة لهذا المواطن أهمها الأمن.
والسودان دولة قامت دون عقد اجتماعي، لذلك لم يتساو مواطنوه في حقوقهم لظروف بعد، طبيعي وموضوعي، مثلاً تمتع شمال ووسط السودان بحقوق لم يتمتع بها المواطن في الشرق ولا في الغرب، ليس لأن أبناء الشمال ووسط سعوا عنوةً لظلم الغرب والشرق، ولكن لأن هنالك ظروفا موضوعية جعلت أبناء الشمال والوسط يتمتعون بهذه الحقوق، للتقدم في العلم وامتلاك المال والتقدم في الخدمات، والعلاقات الخارجية، والقدرة على الاغتراب وغير ذلك من الظروف الموضوعية التي جعلت إقليمي الغرب والشرق يتخلفان، وهذا الأمر ليس لأبناء الشمال والوسط أيدٍ في ذلك، وليس للحكومات المتعاقبة دور في ذلك، ولكن بتطور التعليم والمعرفة والعلاقات الخارجية وزيادة ووفرة المال في أيدي السودانيين تغير الحال الآن.
وعليه، نحتاج لعقد اجتماعي جديد يعيد النظر في العلاقة بين اي مواطن والدولة، ويساوي الجميع في الحقوق والواجبات، ويجعل ميزات نسبية إضافية لبعض مواطني السودان الذين تخلفوا في ذلك، وهذا العقد الاجتماعي يقوم على أسس واضحة تمنع كل مواطن حقه كاملاً دون أن تكون هنالك مظالم هنا وهناك.
وهذه المشكلة كانت في بريطانيا، تقاتل البريطانيون فيما بينهم لسنين لشعور بعض اقاليم بريطانيا بالظلم، وان هنالك نخباً سيطرت على الدولة والحكم وتمتعت بحقوق أكثر على حساب آخرين، واستقر النظام البريطاني على ملكة تحكم ولكن لا تنفذ، ومجلس وزراء ينفذ، ومن عامة الشعب، ومجلس لوردات من النخب والذوات، ومجلس عموم من عامة الشعب، وحكم فدرالي قلص سلطات المركز وجعلها قليلة جداً وأعطى الولايات كل حقوقها وخاصة حقوق المواطنة، وجعل كل الشعب يشارك في الحكم وفي صنع السياسات ويصنع القرار.
السودان الآن يحتاج أن يتفق على عقد اجتماعي مكتوب في هذه المرحلة يضمن التساوي في الحقوق والواجبات ويزيل الاغبان، وهي أغلبها مصنوعة وقائمة على الظروف الموضوعية التي ذكرتها في حين، ولكن الآن انتفت رغم أن بعض النخب مكنكشة فيها وتعتبرها حقوقاً مكتسبة ولا تنازل عنها، وهذا الشأن ينطبق حتى على الوظيفة العامة، وذلك بتحديد معايير ومواصفات الوظيفة، ولكن تطرح بنسب السكان بنفس المواصفات والمعايير وتأخذ كل ولاية نصيبها، وذلك مثل وظائف البوليس، وهذا النظام متعامل به في أغلب نظم الحكم الفدرالية حتى في الولايات المتحدة الأمريكية.
عليه، العدل يتطلب إعادة النظر في العقد الاجتماعي السوداني القديم وغير المكتوب ليكون مكتوباً ومعمولاً به في كل الدولة مع تحديد نظام الحكم في الدولة السودانية.
عليه، أعتقد أن كتابة عقد اجتماعي جديد ومعه الدستور وإصلاح وعلاج بعض القوانين فرصة للسودانيين لتراض وطني يقود إلى عافية السودان وتماسكه، ويعالج أمراض التخلف ويخلف عدالة وإنصافاً، ويزيل الأغبان التي بعضها وهمي وبعضها حقيقي، ويقضي على عمليات هامش ومركز، ويزيل عمليات ودعاوى التهميش والفروقات المُجتمعية المنقولة عبر القرون في السودان.