عندما يفشل الكاتب يرسم…
*كَانَ خطاب ممثل قِوى الحُرية والتّغيير في يوم أطلق عليه (فرح السودان)، كان أقرب إلى خطب أركان النقاش الطلابية، منه إلى خطاب رجل الدولة المسؤول، أتصوّر أنّ روح المُعارضة التي تتلبّس أحزاب هذه الكُتلة ستستمر حتى وهُم على سدّة السُّلطة.. كُنت أتصوّر أن يكون الخطاب غير وهو يقرأ أمام ضُيُوف البلاد، على أن نعود إلى (الخطابات الدافوري) في دوري الدرجة الثالثة السياسي المحلي !!
*لأجل ذلك، لأجل الإمعان في ممارسة أسلوب المعارضة وصعوبة التّخلُّص منها، احترم الحزب الشيوعي نفسه وبقي على مقاعد المُعارضة، ليس لأجل عدم تحوُّل منظومة الحكم إلى المدنية كَمَا يَزعم، ولكنّه يخشى مسؤولية حكم بلدٍ يرزح تَحت وطأة أزمات مُزمنة يحتاج القوم إلى ما يشبه المُعجزة لعبورها…
*فَضْلاً عن نزوع أحزاب اليسار تاريخياً إلى أدب المُعارضة، لدرجة تلك الواقعة الطريفة، قيل إن بعض الرفاق انتهى بهم التطواف إلى جزيرة نائية، فكان أول سؤال لهم حين وطأت أقدامهم تلك الجزيرة هو: هل في هذه الجزيرة حكومة، قيل لهم نعم، قالوا مُباشرة نحن مُعارضة !!
*ربما تجد لهم ألف عُذرٍ، على أنّ أمد طُول حُكم الإسلاميين جعلهم كتراجيديا تلك القِطّة السجينة لفترةٍ طويلةٍ جِدّاً، فلما فتح لها الباب احتاجت إلى وَقتٍ طَويلٍ حَتّى تَستوعب الأمر، فلهذه الأسباب مُجتمعةً سيُعارض اليسار اليسار لا محالة، سيكون الحزب الشيوعي ضد شيوعيي تجمُّع المهنيين لدرجة تقاطع مواكب الحكومة ومراكب المعارضة… لدرجة الارتباك…
*كثيرون حذّروا من الإمعان في عمليات حشر الإسلاميين في الزاوية، واستفزازهم لدرجة قول الدكتور الأصم، بأنّ هنالك فُرصة لمن لم يتلوّثوا في موضوعات الفَساد لكي يكونوا مُواطنين، بمعنى أنّ أمام هؤلاء فُرصة لكي يتمتّعوا بقيمة المُواطنة تحت عدالة دولة اليسار…
*وأوحي هذا الخطاب العدائي الي، كما لو أنّ كل الإسلاميين فاسدون، إلا تلك الحفنة التي منحها د. الأصم فُرصة أن تظفر بحق المُواطنة والعيش الكريم تحت ظلال حكومة الرفاق، والجميع يعلم أنّ الإسلاميين بمُختلف مدارسهم في السُّودان، يَزيدون على الخمسة ملايين عُضو، إن فسد منهم بضع مئات لا يُمكِن تَعميم ذلك على سَوادهم، وهُم يَومئذٍ بقية ومجاهدون وورثة شهداء و(عقاب كتلة)، وأنّ عمليات الاستفزاز المُستمرة لا تُحسب في خانة الاستقرار…
*كما يتّضح جلياً من خلال رسائل خطاب الأصم الذي كتبه الرفاق بعنايةٍ كبيرةٍ، بأنّهم لا محالة مُبيِّتون النية إلى فترة انتقالية انتقامية بالغة، ذلك مِمّا لا يحسب بطبيعة الحال في مَصلحة استقرار البلاد، ممّا يحفِّز كل الخلايا الإسلامية النائمة والمُستيقظة إلى عمليات الاستنفار القُصوى لمُجاهدة حكم اليساريين والعلمانيين، وربما أنتج هذا الغلو اليساري قاعدة إسلامية مُتطرِّفة سودانية!!
*كل العقلاء مُتّفقون على عمليات مُحاسبة كل من أخطأ، وعزل كل من تسنّم وظيفة في الدولة بغير كفاءةٍ، دُون مُحاكمة الكتلة الإسلامية النظيفة التي لم تعمل في أية وظيفة، أدانتها بغير وجه عدل وحق، على أنّ كل من اعتلى منبراً إعلامياً من هؤلاء الحكام الجُدد، يفتأ الآن يُوزِّع تهم الفساد مَجّاناً، بل يقطع بجريمة الخيانة وعدم الأمانة لكل الإسلاميين، وكل ذلك يتم خارج حكم الفنون!! بطبيعة الحال لن يكون ذلك في صالح إنفاذ فترة حكم انتقالي مُستقرٍ، فهل يدرك الرفاق ذلك قبل قوات الأوان…؟ وليس هذا كلما هناك.