إن من تكريم الإسلام للمرأة تكريمه للمرأة والرجل على حد سواء، فهما أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء، كما أنهما أمام ثوابه وجزائه في الدار الآخرة سواء، قال عز وجل: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) .
وقال جل وعلا: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
وقال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقال عز وجل : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) .
أولاً: من أبرز صور تكريم المرأة في الإسلام ما يلي:
1- لم يعتبر الإسلام المرأة مكروهة، أو مهانة، كما كانت في الجاهلية، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها: وهي أن المرأة قسيمة الرجل لها ما له من الحقوق، وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اختص به من الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة اليد، واتساع الحيلة، والصبر على التعب والمكاره، أن يلي قوامتها، فهو بذلك وليها يحوطها، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده.
2- ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام أن ساواها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق التملك، وغيرها.
3- وقد كرم الإسلام المرأة، وذلك حينما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم بأن الله تعالى خلقنا من ذكر وأنثى، وجعل ميزان التفاضل العمل الصالح والتقوى فقال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
4- ومن مظاهر تكريم المرأة في الإسلام الاهتمام بتعليمها: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي: “غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن، وأمرهن، فكان مما قال لهن: ما منكن امرأة تُقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين” رواه البخاري ومسلم.
5- ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أن الله تعالى ذكرها بجانب الرجل، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
هذا هو الوضع الذي قلبه القرآن الكريم رأساً على عقب، فأحدث في تاريخ المرأة أعظم تغيير في حياتها، لا قبل الإسلام فحسب، بل وبعد الإسلام بعشرة قرون، وبعد الثورة الفرنسية والبلشفية.
إن أول ما قرره القرآن الكريم وأكده، أن هذه الجموع من بني الإنسان إنما تدين في وجودها إلى الذكر والأنثى مجتمعين.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
حتى إذا فرغ القرآن الكريم من تقرير هذه المقدمة، فقد رتب عليها النتيجة، بأن جعل المرأة مسؤولة أمام الله عن جميع أعمالها مسئولية الرجل على السواء، فوعدها بالحسنى إذا أحسنت كما وعد الرجل، وأنذرها بالعقاب إن هي أساءت، وقاس أعمالها بنفس المقاييس التي يقيس بها أعمال الرجل، وفرض عليها كل ما فرضه على الرجل من عبادات وواجبات وفرائض وأركان، غير مفرق بين الرجل والمرأة في أي جزئية من هذه الجزئيات إلا ما استثناه من ذلك بسبب اختلاف الخِلقة والتكوين مما سيأتي بيانه بتفصيل. بل لقد جمع بين الرجل والمرأة فوجه الخطاب إليهما في كل عباراته، حتى صار من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن كل ما كلف به الرجل فالمرأة مكلفة به، إلا إذا استثناها القرآن أو السنة بصريح اللفظ، أو دل على ذلك شواهد الحال.
فهذه نصوص شاملة جامعة لكل ما يمكن أن يوصف به الرجل من فضائل وآداب، قد وجه القرآن الكريم فيها الحديث للمرأة مثل توجيهه للرجل. وليس وراء ذلك مطمع لأرقى النساء في العصر الحاضر اللواتي يحاذين الرجال بالمناكب وينادين بالمساواة المطلقة مع الرجال من حيث الكرامة والمكانة والتمتع بالحقوق العامة.