عصا حمدوك السحرية!!
*الذين يزفون الدكتور عبد الله حمدوك إلى كرسي رئاسة حكومة كُتلة قِوى الحُرية والتّغيير، بِكثيرٍ من الأَمل وكَثيرٍ من الطَمُوح، يَتَصوّرون كَمَا لو أنّ أزمة السُّودان التاريخية لم تكن سوى أزمة كادر متى ما وجد ذلك الكادر ملئت الأرض عدلاً وزرعاً كما ملئت جوراً وجدباً، فهم بهذا الزعم لا يخطئون فحسب، بل يُخَطِّطون بخير علم إلى صناعة صدمة باهظة الكلفة السِّياسيَّة والأمنيّة والاقتصاديّة .
*فالذي تَرَسّخ في أذهان شباب الثّورة ووسائط الرأي العام، هو أنّه لم يفصل بيننا وبين عَصر الكِفَاية ودَولة الرّفاهية سِوَى تَولِّي الأُسطورة الدكتور عبد الله حمدوك أمور الحكم في البلاد، حتى يصبح السودان على طليعة دول الإقليم إنتاجاً ووفرةً ورفاهيةً، ويومها سنحتفل لا مَحالة مع حكومة السيد حمدوك بوداع صُفُوف الخُبز والوقود والنقود.. سَنحتفل بتوظيف آخر شابٍ عاطلٍ عن العَمل.. سنحتفل بعودة الجنيه السوداني إلى زاهر عَهدِهِ أمَام تَرَاجُع الدولار الأمريكي و… و… و….
*إنّ الذين يتطاولون في صناعة قُصُور هذه الأماني، هم بالأحرى يعملون على غير وعي لسُرعة سُقُوط الرجل، على أنّ واقع الحَال يقول بأنّ حكم دولة مثل السودان لم يكن بهذا الأماني المَخملية، على أنّ عملية النهضة الاقتصادية تحتاج إلى كَثيرٍ من الجهد والوَقت والصّبر، يحتاج بجهد جبّار داخل مُؤسّسات الدولة، وفي المُقابل إلى جهدٍ لإعادة السُّودان إلى مرحلة الاندماج في الاقتصاد الخارجي، على أنّ بيننا وبين عودة الفردوس المفقود بضع جراحات قاسية جداً تحتاج لمعرفةٍ وصبرٍ.
*لم تكن أزمة السودان في يومٍ أزمة رجل، وإنّما أزمة خُطط وبرامج وإرادة وإدارة معاً، أن تعرف الطريق أولاً، ثم تمتلك إرادة السّير في ذلك الطريق مهما كانت التضحيات ووعورة المَطَبّات، وهذه الإرادة تحتاج إلى قَدرٍ مَعقولٍ من الاصطفاف حول البرامج الوطنية .
*ومن جهة أخرى، فإنّ هناك ثمة تحدياً أمنياً هو الأخطر، فَعَلَى الأقل هُنالك أكثر من خمسة جيوش تتسوّر السودان وتنتظر فُرصتها وحظّها من كيكة الحكم، ويُفاقم من خُطُورة هذا الملف الأمني، هو أنّ الحركات المُسلّحة صاحبة الجيوش مازالت خارج الاتّفاقية التي وُقِّعت بين المجلس العسكرى وقِوى الحُرية والتّغيير، ذلك مِمّا يلقي بالمزيد من التّعقيد، ويحتاج إلى مزيدٍ من الوقت والجُهُود المُخلصة لتسوية هذا الملف الأخطر و….. و…..
*لهذا وذلك، فإنّ العُبُور إلى سوُدان الكفاية والعدل والرفاهية والاستقرار والأمن، لا يَستطيع كادرٌ واحدٌ مهما بلغ من العبقرية والشطارة، ومهما أُوتي من القوة أن يصنعه في بضع أيام أو شهور أو حتى سنين، على أنّ الفترة الانتقالية كلّها برجالها وهياكل حكمها وسنيتها لو نجحت فقط في وضع السودان على جادة الطريق تكون قد صنعت الكثير.
*تَمنّيت والحَال هذه، لو أنّ قدّم معالي الدكتور حمدوك للشعب والوزارة والتاريخ، بشئٍ من العقلانية والواقعية وفق المُعطيات والتعقيدات التي على أرض الواقع، حتى لا تحدث صدمة بالغة لشباب الثورة على أقل تقديرٍ في أن عمليات البناء تحتاج إلى الكثير جداً، ومهما يكن من أمرٍ، فإنّنا نتمنّى للرجل التوفيق والنجاح …
وليس هذا كلما هناك