الحكومة الجديدة
التحديات الاقتصادية.. آمال وتطلّعات
الخرطوم: سارة ــ محمد ــ إنصاف
معاش الناس وتوفير متطلبات الحياة الكريمة هي أهم مطلوبات قيام حكومات سياسية عادلة لتكسب ود الشعوب وتضمن استمراريتها، وتمهد لها طريق الحكم مستقبلاً، فالفقر والجوع والغلاء حال تفشت في مجتمع أي دولة فالنتيجة المتوقعة انهيار نظام الحكم كما حدث في السودان.
والآن يستقبل الشعب السوداني حقبة جديدة عقب التوصل لاتفاق بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري والتي يأمل الناس فيها العيش بسلام ووئام وتلافي المشكلات والتعقيدات الاقتصادية التي سادت طوال الأعوام الماضية وهنا حاولنا تلمس نتائج الاتفاقية في أوساط اقتصادية متعددة ومتنوعة لمعرفة تأثيرها في مجريات الاقتصاد وحياة الناس ومعاشهم، في ظل آمال عريضة لحل مشكلات الاقتصاد إثر ترشيح د. عبد الله حمدوك رئيساً لمجلس الوزراء وتوظيف علاقاته بالمجتمع الدولي في تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة على البلاد.
مشكلات مزمنة
أشار الخبير الاقتصادي د. عز الدين إبراهيم، إلى التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة، وقال إنها عاجلة وآجلة المدى، وأضاف في حديثه لـ (الصيحة)، أن التحديات العاجلة تخص معاش الناس وارتفاع مستوى التضخم الذي وصل إلى أكثر من 52% فضلاً عن ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي والذي يشكل تحدياً كبيراً لارتباطه المباشر بمعاش المواطنن لافتاً إلى الندرة في الضروريات المتمثلة في مثلث (القوت -الوقود -النقود) لما لها من تأثير مباشر على الإنتاج، والذي يعتمد على الكاش، وقال إن الثورة السودانية انطلقت شرارتها بسبب الضائقة المعيشة وما زالت هذه المشكلات متفاقمة إلى الآن، والتحدي الآخر الذي ظهرالبطالة النوعية التي يتأثر بها الشباب فضلاً عن ضعف الصادرات الخارجية التي لا تتناسب مع حجم الاقتصاد والتي تعتبر واحدة من أسباب ندرة العملة الأجنبية بالبلاد، مشدداً على أهمية الاهتمام بسلع الصادر، وقال إن البلاد تعاني من نقص كبير في الطاقة الكهربائية والجازولين، وهناك عدم مواكبة الطاقة الكهربائية مع الطلب، ويعتبر معوقاً للعملية الإنتاجية ومشكلة مزمنة وخطيرة.
خلل السياسات النقدية
وقدم عز الدين روشتة علاجية للخروج من التحديات التي تواجه البلاد، وقال إن المشكلة الأساسية مرتبطة بموازنة الدولة والتي بها عجز كبير نتيجة تمويلها من الجهاز المصرفي والاستدانة من الجمهور، وهذا سبب أساسي للتضخم بجانب الزيادة الكبيرة في الكتلة النقدية، وقال إن السودان يأتي بعد فنزويلا من حيث ضخ النقود، ويمثل الكاش 30% و70% ودائع في البنوك وزيادة الكتلة النقدية نتيجة لاستدانة الحكومة والقطاع الخاص، وهذا يؤكد وجود خلل كبير في السياسات النقدية في البلاد، لذلك لابد من مراجعتها، مبيناً أن الاقتصاد السوداني يعتمد على الزراعة والتي لم تعد كافية، لذلك لابد من التنوع الاقتصادي (تصنيع زراعي وغير زراعي) كصناعة الاسمنت والسراميك والحديد والأدوية والصناعات الثقيلة وغيرها من مجالات التصنيع، وقال: لابد من تفعيل كنز السودان المهمل والمتمثل في الخدمات وإعادة التصدير وتفعيل دور سياحة الآثار وفتح باب العلاج للأجانب والتعليم .
الإصلاح المنشود
ويقول الخبير الاقتصادي بروفيسورعثمان سوار الدهب، إن التحديات التي تواجه الحكومة القادمة تحديات اقتصادية خاصة وأن الدولة ما زالت تعاني من ارتفاع الأسعار في كافة السلع الضرورية، فلابد من تغيير السياسات السابقة عبر توفير السلع الضرورية، فالسياسات القادمة لابد أن تتجه إلى الإصلاح الاقتصادي الشامل. مشيرًا إلى توفير الموارد الحقيقية في ظل وجود عجز تجاوز الـ 30% مشدداً خلال حديثه لـ(الصيحة) على أهمية الانفتاح على العالم الخارجي عبر وضع سياسات يتم تحويلها لدعم الاقتصاد واقتلاع كافة الموارد التي ليس لها مردود اقتصادي في العهد السابق، وقال إن الأمر يتطلب الجدية.
التحول لاقتصاد المعرفة
وفي سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين د. محمد الناير، إن التحديات كبيرة وعلى رأسها قضية بقاء اسم السودان ضمن قائمة الإرهاب وعدم استقرار سعر الصرف وارتفاع مستوى التضخم وتدني الإنتاج والإنتاجية إضافة إلى الدولة العميقة التي يمكن أن تعمل على تعطيل العمل ووضع العراقيل، إضافة إلى مكافحة الفساد، لافتاً إلى اعتماد الحكومة المقبلة على الكفاءات بعيداً عن الجهوية والقبلية والمحاصصات، وتوقع أن تعمل الحكومة الجديدة على تحقيق المصلحة العامة للبلاد وانطلاق مسيرة الإصلاح الشامل، مضيفاً: يمكن على المدى القصير تفعيل إجراءات عاجلة مثل توفير السيولة النقدية واستقرار سعر الصرف مقابل العملة المحلية والجلوس مع المغتربين ومعرفة احتياجاتهم والعمل على إنشاء بورصة للذهب وتحديد اسعار محفزة للمعدنين لمكافحة التهريب للمساعدة في جلب المزيد من النقد الأجنبي الأمر الذي ينعكس على معيشة المواطن ويؤدي إلى خفض الأسعار، مشدداً على أهمية القضاء على الفساد ووضع ضوابط صارمة تمنع حدوثه.
وقال: على المدى البعيد، لابد من تفعيل دور البحوث العلمية والاعتماد على التقانات والتحول نحو اقتصاد المعرفة في كثير من القضايا، وقال إن الوقت مناسب أكثر من قبل لإدماج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد الدولي.
حمدوك شخصية دولية
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي إن رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك يتمتع بخبرة خارجية وليست داخلية، تجربته العملية جلها كانت في الخارج، وهذه قد تساعد في فتح تعاون دولي وعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصناديق الدولية والبنك الدولي، وقال لـ(الصيحة) إن المرحلة الحالية في تقديري تحتاج لرئيس وزراء متمكن قائد للحكومة يتابع حركة الوزراء وتوزيع الأدوار التنفيذية، مبيناً أن الشارع ينظر لحمدوك كمنقذ للاقتصاد الوطني، ولكل مشاكل الحياة اليومية ولتقديم خدمات أفضل للمواطن السوداني، لذلك لابد أن يبدأ كرئيس لمجلس الوزراء بالعمل على نشر أسس ومبادئ الحكم الرشيد مثل: (المشاركة والشفافية، والمساءلة والمساواة، والعدالة، وأولوية المواطن، وسيادة القانون)، في مؤسسات الدولة مع سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف للقضاء على الفقر وتوسيع الخيارات التي تتاح لجميع الناس في حياتهم ومحاصرة الفساد والسيطرة عليه ورفض تهميش قطاعات سكانية في الدولة، مع السعي لتوفير متطلبات البيئة الاستثمارية ولا سيما بعد أن توفر الغطاء القانوني لعملية جذب الاستثمارات مع تنويع الخريطة الاستثمارية لتغطي كل البلاد حسب الميزة التنافسية لكل ولاية من ولايات السودان والعمل على إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحسين صورة السودان في الخارج، وإعادة التعاملات المصرفية والمالية بين السودان والعالم خاصة دول الخليج والصين وأمريكا ودول أوروبا التي تعتبر من أهم أسواق الصادرات والواردات السودانية.
معالجة العجز المالي
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي بروفيسور عثمان البدري أن المرحلة المقبلة تتطلب معالجة التحديات الراهنة والاستفادة من كفاءة الموارد وتحقيق التنمية مشيراً إلى وجود العديد من الأهداف التنموية التي تتمثل في سبعة عشر هدفاً منها الصحة والتعليم وتوفير خدمات المياه والتي يجب أن تتم عبر تكلفة أو رسوم تأخذ من المجتمع كالتزام نحو الدولة، وقال إن ما يتم دفعه من رسوم تكلفة غير واقعية لأنها تؤخذ مباشرة من المواطن. أما من ناحية سياسية، فلابد من الشمول المالي والضريبي ومعالجة العجز المالى عبر تخفيض الإنفاق الحكومي الذي يساهم بدوره في تقليل التكلفة في الموازنة العامة بجانب السياسة النقدية التي يعاني منها المواطن عبر ارتفاع الأسعار، مشيراً لضرورة الاتجاه لعدم تصدير خام موارد البلاد كالحبوب الزيتية والقطن وإزالة العجز في الميزان التجاري ومعالجة مشكلة النقد الأجنبي وإعادة قيمة العملة الوطنية، بالإضافة لذلك، لابد من بناء احتياطي من العملة الأجنبية عبر شراء الذهب ووضعه في البنك المركزي والسودان يحتاج من 15 إلى 20 ترليون لمعالجة المشكلة الاقتصادية، لكن عبر وجود الرقابة في الجهاز المصرفي، وقال إن معالجة المشكلة الاقتصادية لا تعتمد على شخص واحد، لذلك لابد من العمل كفريق واحد وحزمة واحدة بعيدًا عن الإعلام واتخاذ الطرق المتحضرة عبر كتابة (تصريح مكتوب) والحديث عبر الارقام الاقتصادية الدقيقة للابتعاد عن الحديث المُعمّم.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي دكتور محمد الجاك أحمد، إن الاقتصاد السودانى يحتاج إلى تغيير السياسات الاقتصادية القائمة على سياسة التحرير الاقتصادي، لذلك لابد من تغييرها جذرياً بعد توقيع الاتفاقية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بمعنى أن سياسة التحرير لا يمكن أن تحل المشكلات والأزمات الاقتصادية القائمة حالياً منها ارتفاع التضخم وأسعار الصرف والعملة وأيضاً ارتفاع معدلات البطالة والنمو ونؤكد أن جميع هذه المشكلات تفاقمت في ظل سياسة التحرير وشهد الاقتصاد السوداني تدهوراً مريعاً يحتاج إلى تدخل الدولةن ولابد من تغيير هذه السياسة، وهذا الأمر يعتمد على الشخص الذى يحكم في الفترة المقبلة و ويعتمد على هذا حل مشكلات الاقتصاد السوداني، وفي حال لم تقم الحكومة الجديدة بالتغيير المطلوب لن نخرج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وبمعنى آخر طبيعة سياسة التحرير الاقتصادي بالنسبة للسياسات الاقتصادية لا يمكن أن يتحقق لتقليل نسبة البطالة أيضاً فيما يخص استراتيجيات التنمية، إذا ما كانت استراتيجيات تستهدف زيادة الإنتاج خاصة السياسات التوسعية أيضاً لن تحل مشكلة الاقتصاد إلا في حالة إحداث تغيير جذري في السياسات الخارجية، فالمشكلات الاقتصادية مرتبطة بالسياسات الداخلية ونأمل من الحكومة المقبلة أن تفعل السياسات وقوانين الاستثمار الجاذبة وتقليل العجز في ميزان المدفوعات، وهذه العوامل يمكن أن تجذب رؤوس الأموال والمساعدات الخارجية، بالإضافة إلى سجل البلاد فيما يخص حقوق الإنسان، والسعي لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وجهان لعملة واحدة
وأجمع خبراء على أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة ومن أجل تحقيق الاستقرار المنشود في الوضع الاقتصادي مستقبلاً، فالأمر مرهون بالاستقرار السياسي بالبلاد، فمنذ انطلاق الثورة التي أطاحت النظام السابق حيث كان تدهور الوضع الاقتصادي الشرارة التي اندلعت بها الثورة من أجل معاش الناس، فالوضع الاقتصادي شهد تدهوراً مريعاً خلال المرحلة الماضية حيث تحرك الاقتصاد السوداني في طرق وعرة، وكانت أبرز ملامحه الأزمات المعيشية وإهمال كامل للقطاعات الإنتاجية، إذ لم تستطع الحكومة السابقة تسخير الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد ما نتج عنه بروز عدد من المعوقات لعبت دوراً في انفجار الشارع السوداني، والآن آمال عريضة يعيشها المواطن بأن تفلح الحكومة الجديدة بمعالجة ما أفسدته الحكومة السابقة بتوفير سبل العيش الكريم للمواطن البسيط وتوفير كافة مقومات الحياة المعيشية من خلال توفير الخدمات والوقود والنقود والدقيق ومحاصرة ارتفاع معدلات التضخم وسعر الصرف، وكثير من الخبراء يرون أن مرحلة ما بعد الثورة تطلب جهود حثيثة من الحكومة في المجال الاقتصادي وأهمية السعي لتوفير متطلبات البيئة الاستثمارية ومعالجة مشاكل الاقتصاد عبر عدد من الحلول من ضمنها استجلاب مطبعة لطباعة العملة بالبلاد لحل مشكلة السيولة، وإعادة الثقة في الجهاز المصرفي بجانب توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين والسعي لدفع ديون السودان الخارجية.