ملف الإصلاح الأمني: تفاهمات العسكريين والمدنيين.. بارقة أمل
تقرير- صبري جبور
قضية الإصلاح الأمني والعسكري.. تعتبر أحد الملفات العالقة التي جرى تأخير الاتفاق عليها بين المكوَّن العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأطراف أخرى كانت وقعت جميعاً على اتفاق إطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، بين العسكر وأطراف مدنية يمهِّد لتسليم السلطة للمدنيين، بجانب تشكيل حكومة مدنية متوافق عليها تقود المرحلة الانتقالية التي تعقبها انتخابات.. وكانت بدأت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مؤتمرات لمناقشة قضايا ” تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ورشة لمناقشة اتفاق سلام جوبا، بجانب قضية الشرق ثم تليها مؤتمرات لنقاش قضايا العدالة الانتقالية ومن ثم الإصلاح الأمني والعسكري.. فيما أشار خبراء ومختصون أن المؤسسة العسكرية تحتاج إلى بعض الإصلاح، وليس تفكيك، مشيرين إلى أهميتها وهي صمام الأمان للبلاد.. وكان المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، شهاب الطيب أكّد مشاركة العسكريين في مؤتمر الإصلاح الأمني والعسكري، وقال في تصريح سابق :”لا يوجد ما يمنع مشاركة العسكريين بالمؤتمر، إذ أنّهم الجهة المعنيّة بتلك القضية بالأساس كما أنهم مناط تنفيذ الإصلاح”، وأضاف: “لم يظهر العسكريين حتى هذه اللحظة أيما نوع من التمنّع حول هذه القضية، الجميع متفقون ومتوافقون ونمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق الإطاري بلا تراجع”.
قوة محترفة
منتصف يناير الماضي تطرَّق قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلال مهرجان الرماية 57 بولاية النيل الأزرق، إلى قضية إصلاح القوات المسلحة، وأكّد على أهمية أن يكون الجيش قوة مهنيّة محترفة بعيدة عن السياسة وتنظيماتها ليس به عناصر تحمل ولاءات لتيارات يمينية ولا يسارية، وجزم البرهان قائلاً: “لا أحد يستطيع أن يفكك الجيش، لا أحد يستطيع أن يدخل يده فيه، لا علاقة لهؤلاء به، نقول للسياسيين الذين يتحدثون في شأن الجيش اذهبوا وتحدثوا في سياستكم، ودعونا فنحن قادرون على وضع الجيش في الطريق الصحيح حتى يصبح جيشاً مهنياً ديمقراطياً”.وأضاف: “هذه القوات ستكون يوماً تحت سلطة القيادة المدنية التي تقود الدولة، عندما تتحقق الظروف المناسبة لذلك”.
تفاهمات مشتركة
القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الفكي، كشف عن تفاهمات بين العسكريين والمدنيين حول الإصلاح الأمني والعسكري، وأفصح في ذات الوقت عن إجتماع ينتظر أن يكون قد التئم بين العسكريين وموقعي الاتفاق الإطاري، وتوقع أن يخرج الاجتماع بقرارات لها ما بعدها.وأكد الفكي خلال حديثه في منتدى بالخرطوم رصدته ” الصيحة ” أن ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي ستقام بالخرطوم قريبا، بين العسكريين والمدنيين لن تكون مفتوحة للإعلام لخصوصيتها، وستناقش جداول الإصلاح وزمنها وفق الاتفاق الموقع بين الطرفين.
مبعث أمل
وبشأن التفاهمات بين العسكر والمدنيين حول الإصلاح الأمني، تقول الخبير والمختص في الشؤون السياسية، مريم الهندي، سبق وقد أشرنا إلى أن أي تفاهمات داخل البيت السوداني مهما اختلفنا بالتأكيد هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي مبعث للأمل في تصحيح المسار وستفضي تلك الحوارات الوطنية إلى وفاق وتراضي يفضي بدوره إلى إجماع وطني حقيقي، مشيرة إلى أنه سيقدم الأطراف التنازلات المطلوبة بكل رحابة دون حرج وستكون هنالك نتائج مباركة ومرجوة تسعد وترضي الجميع كالتي تم التصريح عنها الآن.
وأشارت مريم في إفادة لـ(الصيحة) إلى أن المجتمع الدولي مهما علت إمكاناته السياسية ونفوذه المالي لن يكون أبداً أحرص أو أفهم لمزاجنا وطبيعة متطلباتنا الوطنية وكيفية إدارتها إدارة سليمة كما نود نحن، فللمجتمع الدولي مشاكله الغير خافية والتي يبحث لنفسه عن مخرج منها وغير خفي أن السودان الآن هو المخرج الآمن لهم جميعاً فلاعتماد على الحلول الدولية دون دراية سياسية ودبلوماسية بماوراء الأحداث سيرمي بنا بالتأكيد في مستتقع آثن ستلعننا بسببه الأجيال القادمة فالمجتمع له مطامعه المعروفة من التنافس المحموم حول (الثروة والسلطة) (قطبي النفوذ العالمي)، عليه وتحديداً هذا الملف، الإصلاح الأمني والملفات الأخرى المؤجلة من دمج وتسريح وعدالة انتقالية.. الخ أجدها حساسة أنصح أن تتم الجراحة و التعامل معها بالجدية والحكمة والحنكة اللازمة وذلك مراعاة لحساسية تلك الملفات دون المساس بالعقيدة المهنية والمرتكزات الأساسية، وأعني تحديدًا ملف الدمج التسريح للقوات غير النظامية في القوات الشعب المسلحة، وأضافت الهندي ” لا أتردد في أن أقول بأن في هذه الخطوة الأخيرة من قحت المركزي هي خطوة شجاعة ومتفهمة وفيها شكل جديد من أشكال الاتجاه نحو الطريق السليم في الاعتدال في القيم و المفاهيم السياسية والبعد الفكري الاستراتيجي الذي يحفظ هيبة وسيادة ووحدة السودان أولاً، وتابعت آمل أن تستمر قحت المركزي على هذا المنوال في بقية الملفات ومع بقية الأطراف المدنية والعسكرية لتحتوي الكل وهذا هو النجاح السياسي الحقيقي الذي أعرفه، أوضحت ” كما أنبه قحت المركزي لازال الباب أمامها متفوحاً إذا أرادت أن تحقق أكبر قدر من المد الثوري الشعبي الشامل.
قضايا المواطن
ويؤكد المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، أن تصريحات معظم قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي والفاعل الحقيقي في الاتفاق الإطاري يسؤدها التفاؤل بقرب التوصل إلى التفاصيل النهائية من مسودة الاتفاق الإطاري.
وقال عثمان في إفادة لـ(الصيحة): إن جعفر حسن، الناطق الرسمي في تصريح أعلن أنهم على بعد خطوات من الإعلان النهائي للاتفاق الإطاري ومن بعده تكوين الحكومة المدنية الكاملة، وأضاف: ” زاد عليه محمد الفكي سليمان، بأن المكوِّن العسكري شريك أساسي في حماية الفترة الانتقالية (مثل هذا التصريح لا يقال من فراغ)، وجزم بأنهم سوف يصومون رمضان ومعهم حكومة مدنية جديدة، وأشار محمد علي أن
مابين هذه التطمينات من القيادات المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري وبين مجموعة قوى إعلان الحرية الكتلة الديموقراطية وتصريحات القيادة العسكرية التي تطالب بدمج الدعم السريع في الجيش يبقى الوطن يترنح، لافتاً إلى أن الأولوية الآن بقضايا المواطن .. فشعب السودان اكتوى ظلماً بنيران الساسة في خضم كسر عظم جمود عقولهم.
بارقة أمل
في السياق قال المحلِّل وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الفاشر، دكتور الهادي أحمد علي، في إفادة لـ(الصيحة): إن التفاهمات بين العسكر والمدنيين حول الإصلاح الأمني، ستسهم في الوصول إلى اتفاق نهائي، وأضاف: ” هذا الأمر مرتبط بتقديم تنازلات من الجانبين، خاصةً ما بعد المتغيرات التي حدثت في المشهد السياسي السوداني في الأيام الماضية، وتابع: ” هذه المتغيِّرات تبشِّر بأن الاتفاق النهائي يمضي إلى نهايته وهذا الأمر مرتبط بعوامل دولية وإقليمية، وأشار الهادي إلى أن هذه التفاهمات تمثل بارقة أمل ومبشِّرة بقرب انتهاء العملية السياسية رغم المناوشات السياسية من بعض التيارات التي هي خارج المشهد الآن، وقال: أما مسألة الإصلاح الأمني ستأتي ما بعد التوقيع النهائي ولديها مصفوفات وجداول زمنية.