الجيش والدعم السريع.. من يحاول الإيقاع بينهما؟
الجيش والدعم السريع.. من يحاول الإيقاع بينهما؟
الخرطوم- صلاح مختار
يبدو أن البعض يلعب لعبة الشيطان عندما ألزم نفسه بغواية الإنسان وإخراجه من النور إلى الظلمات ومن الصلاح إلى الشر, وهناك لعبة تسمى (المديدة حرقتني) للإيقاع بين المتخاصمين, هو نفس الأسلوب الذي يدير به البعض المشهد بين الجيش والدعم السريع, هناك أكثر من سبب يجعل العلاقة بين الجيش والدعم السريع لا تتطوَّر لتصل إلى مرحلة الحرب أو حمل السلاح ضد بعضهما . منها أن الدعم السريع لم يكن نبت شيطاني أراد البعض أن يجرِّده من وطنيته وحقيقة وجوده في الدستور, وكأنما أصبح الخطر الذين يأتي منه الوطن.
ولكن كما يقال: (قطعت جهيزة قول كل خطيب) عندما قال قائد ثاني قوات الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو، إنهم مع مبدأ الجيش الواحد وإصلاح المؤسسة العسكرية، ولن يتراجعوا عن الوعد الذي قطعوه أمام الشعب السوداني، لافتاً إلى أن الجيش وإخوانهم في قوات الدعم السريع، وشابات وشباب ثورة ديسمبر المجيدة، قدموا أرتالاً من الشهداء من أجل الوطن.
ترويج الفتنة
ووجه دقلو حديثه لأصحاب الأغراض الخاصة, والأمراض النفسية, والعلل, والنظارات السوداء, وأصحاب (المديدة حرقتني) قال الذين يروِّجون للفتنة بين الجيش والدعم السريع، قطع بأنه لن يحدث اشتباك بين الطرفين، وأضاف: (إخوانكم في الجيش مستحيل أن يرفعوا في وجهكم السلاح، أو أن نرفع في وجههم السلاح، كلنا يد واحدة نبني وطننا العزيز، ونعيده إلى وضعه الطبيعي دون تفرقة أو شتات). وأكد عبد الرحيم، وقوف قوات الدعم السريع، مع إرادة وتطلعات الشعب السوداني، مبيِّناً أن مواقف القوات مع الشعب تاريخية بدأت قبل 11 أبريل 2019م، وتجددت عقب انقلاب 25 أكتوبر، ومستمرة بالوقوف مع الاتفاق الإطاري ولن تتغيَّر هذه المواقف أبداً.
الاتفاق الإطاري
وسبق أن أكد قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو، في الدمازين عندما وقع طرفا النزاع بإقليم النيل الأزرق على وثيقة وقف العدائيات أكد أن الحكومة لن تسمح لأي جهة بإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
وقال كل من يريد سلطة أو مكانة أو جاه يجب أن يبحث عنها بعيداً عن دماء المواطنين وحرمة الدماء.
وأضاف قائلاً: ” إن من ضمن مسؤوليتنا التي سيسألنا منها الله حفظ الأمن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم وسنقوم بها كاملة”، وجدَّد التأكيد بأن القوات النظامية كلها على قلب رجل واحد وهي ستعمل بكل جد واجتهاد في درء الفتن.
مركب واحد
استنتج البعض من التباين في الخطاب بين البرهان وحميدتي كثيراً من التأويل رغم أن بعض الخبراء يرون أن كلا الطرفين في مركب واحدة ولا يمكن النظر إليهما من زاوية أخرى سوى الحرص على كيفية الوصول بالبلاد إلى بر الأمان, وقال المحلِّل السياسي إبراهيم آدم إسماعيل: من المؤسف محاولة الضرب تحت الحزام ومحاولة اغتيال شخصية محمد حمدان دقلو حميدتي، أو البرهان بتأجيج الصراع مابين الجيش والدعم السريع وقال لـ(الصيحة): أخلاقياً هذا غير جيِّد محاولة زراعة الفتنة بين الجيش والدعم السريع في محاولة لضرب الأمن القومي للبلاد.
واستبعد حدوث أي مواجهات بين الجيش والدعم السريع, وقال: إن هنالك تنسيق بين الجيش والدعم السريع في المركز والولايات من خلال العمل المشترك في القوات المشتركة بجانب القيام بتأمين كثير من المرافق.
وقال إسماعيل: الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه البرهان وحميدتي ملزم للطرفين أن يعملان على تطبيقه, فيه نص واضح بدمج الدعم السريع في الجيش, بالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال نسف ذلك بالحديث عن عداوة أو جفوة بين الطرفين يقود إلى صراع مسلَّح أو يوجه البعض سلاحه على الآخر.
وأضاف: يجب أن لا ننسى أن هنالك أطراف دولية وآلية ثلاثية موجودة بالداخل تعمل على تذويب واحتواء أي خلاف إذا كان بين الدعم السريع والجيش .
وقال إذا كان هنالك خلاف كان يمكن أن يقع قبل عام, ولكن هنالك حس وطني وأمني بضرورة استقرار البلاد وعدم العودة إلى مربع الاحتراب, هذه عوامل تمنع رفع السلاح بين الجيش والدعم السريع.
نشاط هدَّام
ويرى الخبير والمختص في العلاقات الدولية د .محمد أبو السعود، إن بعض الذين لديهم أجندة يعملون على إيجاد فتنة بين المنظومة العسكرية عموماً وبين الدعم السريع والجيش والحركات المسلحة، من أجل تسميم الأجواء حتى الوصول إلى مبتغاهم. ونوَّه أبو السعود لـ(الصيحة) للتشويش المتعمد لصورة الدعم السريع، من خلال استغلال ضعاف النفوس, والوضع الراهن لتمرير أجندتهم من خلال نشر الشائعات في السوشايل ميديا التي تفتقد إلى المصداقية، وقال أبو السعود: هناك أجندة خفية ونشاط هدام، لكن لن (ينحني) الدعم السريع، فهو أكبر من ذلك بفضل أجهزته وقيادته الحكيمة حسب تعبيره.
وأبان أبو السعود إن الدعم السريع لديه ناطقاً رسمياً هو المعني بتوضيح الحقائق للأجهزة الإعلامية، وأضاف لذلك إن كل من يعملون في الخفاء ضد هذه القوات مهما طال الزمن سينكشفون، داعياً قوات الدعم السريع إلى عدم الالتفات إلى هذه الشائعات وأن لا ينجروا إلى هذا النشاط الهدام.
تشويه الصورة
ولكن الخبير في الدراسات الاستراتيجية دكتور محمد علي تورشين، يؤكد لـ(الضواحي) أن الحملات الإعلامية لتأليب الرأي العام ضد حميدتي وحلفائه وضد الاتفاق الإطاري وضد من يدعمه على الصعيد الداخلي والخارجي تتم من قبل قيادات الكيزان لمناهضة الاتفاق الإطاري ولتشوية صورته بضربات استباقية بالحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بالرغم من أن اتفاق جوبا لسلام السودان خيِّر حركات الكفاح المسلح بالدمج في الجيش أو قوات الدعم السريع.
تحالف جديد
وفي ذات السياق يتفق الخبير السياسي في القرن الإفريقي عبده إدريس، أن انخراط حميدتي في تحالفه الجديد مع قوى الحرية والتغيير والمجموعات الموقعة على الاتفاق الإطاري في نظر القوى المعارضة للاتفاق الإطاري الذي يسنده الدعم الدولي والإقليمي بات يشكِّل خطراً على النظام البائد بحجة أن حميدتي تخلى عن موقفه السابق، وأن التقارب تجاه (قحت) قد يغلق أبوابه الفوز في الانتخابات المرتقبة، ويضعف النظام البائد ويؤدي إلى تقوية نفوذ (قحت) على حسب رصيدهم السياسي.
غضب الإسلاميين
يقول المحلِّل السياسي، أحمد عابدين في إفادة لـ(الصيحة): إن موقف الدعم السريع جلب له هذه الحملات، ففي بداية التغيير وحتى الوثيقة الدستورية كان انحيازه لكتلة الجماهير جالب لغضب الإسلاميين والمختلفين مع تحالف الحرية والتغيير وقتها، وقال: إن خلافات الحرية والتغيير وضعه في وجه المدفع فيما يخص قضية فض الاعتصام.. وهكذا سارت الأمور حتى قرارات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ والتي أيضاً نال منها نصيب العداء، كذلك فإن نهج قائد قوات الدعم السريع في الصراحة والوضوح يبعث عداءً من بعض صناع الرأي العام فهم غير متجانسين مع الشفافية والوضوح.
ويؤكد عابدين أن الموقف الحالي لقوات الدعم السريع وقائدها من الاتفاق الإطاري شكَّل ضربة للرافضين واستماتته في ثبات موقفه من الإطاري أحرج أي خطوة تدعو للتراجع عنه. وبالتالي فإن كل هذه الأحداث ساهمت في شن هذه الحملات.
تحريك الساكن
وأشار عابدين إلى أن الخرطوم بطبعها ظلت تدير السودان بمعزل عن الآخرين فقط هي من تصنع القرار وتنفذه فمنذ خروج المستعمر تكونت طبقة النبلاء أو هكذا تظن ومنحت نفسها امتيازات منها تحديد مستويات وصلاحيات من يشارك في الحكم كمجاملة ووضعوا دوائر ملزمة بحيث لا يتم تجاوزها واليوم تجاوزتها قوات الدعم السريع وقائدها .. وهذا بالتأكيد محل امتعاض ورفض، وأيضاً هي الأخرى تقود بعض هذه الحملات.. مبيِّناً أن تمدد نفوز هذه القوات يحرِّك الساكن ويضعها كمهدِّد لأصحاب الامتيازات التاريخية، ثم أن الحركات المسلحة دائماً تفكيرها في ميزة هذه القوة وخوفها أن تشكل عقبة في سبيل تمددها السياسي وأغراضها ومشاريعها الاجتماعية وبهذا فهي جزء من هذه الحملة.