منى أبوزيد تكتب : الظهور الفني..!
27 فبراير 2023
“مع تقدُّم العُمر تزداد الحكمة وتنقص العبقرية”.. جاي جي هولاند..!
(1)
الفرنسي زين الدين زيدان نجم كرة القدم العالمي السابق، نطح قبل سنوات، بطن أحد لاعبي منتخب إيطاليا فتسبب ذلك بطرده من آخر مباراة قمة في آخر بطولة لكأس العالم كان يشارك فيها قبل تنفيذ قرار اعتزاله. جماهير النجم الأسطورة تحسّروا على إفساد ساعته الأخيرةـ وحق لهم، فتوقيت اعتزال اللعب هو آخر “ظهور فني” لنجوم الملاعب لذلك يرتبط دوماً في الأذهان بالتألق والمجد..!
(2)
روبيرتو روسيتي حكم كرة القدم الإيطالي السابق احتسب هدفاً تسلُّلاً واضحاً لصالح منتخب الأرجنتين على حساب المكسيك في إحدى مباريات كأس العالم، فأصدرت الفيفا قراراً بشطب اسمه من قائمة حكام البطولة، وحينما ربطت الصحف بين عقوبة الفيفا وقرار اعتزاله، خرج روسيتي عبر وسائل الإعلام ليؤكد أنه قد اتّخذ قراره قبل بدء البطولة وحافظ بذلك على ظهوره الفني. فاعتزال العمل العام قرارٌ موضوعي وليس من اللائق – أبداً – أن يأتي كردة فعل لعقوبة إدارية أو نقد إعلامي..!
(3)
النقد الفني في السودان كان وما يزال – واقفاً – في محطة “الشارلستون” وعلى أي مطرب شاب أن يتملق مزاج النقاد باستنساخ أغنيات العمالقة ومفردات الزمن الجميل. هكذا – وهكذا فقط – ينأى بنفسه عن الخطر. أما الذي تسول له نفسه أن ينتهج التجديد فعليه أن يستعد لنيران النقد الفني وقذائف الإعلام – الستيني – المُوجّه..!
(4)
أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية عندنا تتعامل مع بعض “العمالقة” بمحبة مُؤذية مثل محبة الدب الذي هشّم رأس صاحبه وهو يظن نفسه يريحه من إزعاج ذبابة حطت عليه. فالظهور الإعلامي المباشر – وليس من وراء حجاب المنجزات السياسية أو الفنية أو الفكرية – له شروط وضوابط، أولها وأولاها أن يضيف إلى رصيد المبدع، لا أن يكون خصماً على صورته الجليلة المحفورة في أذهان الناس..!
(5)
عدم إغفال تفاصيل الظهور الفني للعمالقة، لون فاقع من ألوان الفروق بيننا نحن الأفارقة والعرب والآخرين في مجتمعات العالم الأول، حيث للمبدعين مُستشارون مُختصون بالظهور الإعلامي كقرار تسبقه دراسة للحال الصحية والاستعداد النفسي والكفاءة الذهنية، وشحذ الهمة وصقل الحضور للخروج من التجربة بنجاح يضيف إلى رصيد المبدع ولا يخصم منه كما هو الحال عندنا أحياناً..!
(6)
من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها عمالقة الفن وجهابذة السياسة في بلادنا أنّهم يعولون كثيراً على إرث الماضي ومُنجزات الشباب في كل لقاءٍ إعلامي، فيفرضون ذوق الزمن الجميل وقناعات الزمن الجميل وأفكار الزمن الجميل وفتوحات الزمن الجميل…إلخ.. على مشاهد ومستمع وقارئ زماننا الرديء – بحسبهم – أما أجهزة الإعلام فهي تجاريهم، ربما خوفاً من تهمة العقوق..!
(7)
متى يفهم إعلامنا – الملحاح – أنّ العباقرة ليسوا كاملين، وأنّهم بشرٌ قد يموتون على غير ما ولدوا عليه من عبقرية، فمُعظمهم قد ينال منه الزمن أو المرض أو تخذله ظروف الحياة، لكن الحظ قد يحالفه في إبقاء تلك الظروف بعيدة عن عيون الجماهير. والذي لا يريد أن يفهمه الإعلام أن من حق المبدع علينا إذا بهت وهج عبقريته أن تبقى صورته المتألقة حية خالدة في أذهان الناس..!