محمد طلب يكتب: (هذه زوجتي) فماذا يكون؟؟
عنواني هذا على وزن واحدة من أجمل اغنيات سيدة الغناء العربي… كوكب الشرق السيدة ام كلثوم (هذه ليلتي) وهو نص غنائي من تأليف جورج جرداق اللبناني الجنسية وألحان محمد عبد الوهاب، وهي أغنية طويلة وجميلة بمزاج ذلك الزمان وأهله وتلك الأيام الجميلة والاحتفاء بالكلام الجميل المعبر والموسيقى والاداء الراقي الطروب.
وما زالت (هذه ليلتي) من أجمل أغاني كوكب الشرق أم كلثوم لأنها جمعت بين أفذاذ وخليط متجانس بين مثلث (الكلمات واللحن والأداء) فالكلمات لجورج جرداق (المسيحي) الذي كتب عن سيدنا علي رضي الله عنه كتاباً رائعاً، وإعجابه بسيدنا علي كرمز للعدالة من منظور إنساني بحت كما يقول، وجمعت بين ملحنها محمد عبد الوهاب ومغنيتها كوكب الشرق اللذين بدأت حياتهما بالقرإن والإنشاد الديني كما هو معروف عنهما….
ربما يبدو أنه لا علاقة البتة بين عنواني و(هذه ليلتي) فتعالوا لمطلع الأغنية نبحث عن علاقة ما… وهل الليلة لغير الزوجة الحبيبة و(الإعمار):
هذه ليلتي وحلم حياتي
بين ماض من الزمان وآت
هذه ليلتي
الهوى أنت كله والأماني
املأ الكأس بالغرام وهات
وتستمر الأغنية حتى تصل إلى الأهم مروراً بكل المهم:
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر
فتعالى أحبك الآن الآن أكثر
وهذا اعتناء عجيب بأمر (اللحظة الحاضرة) وبدون الاعتناء باللحظة لا شئ للحياة او لما بعدها…. ولا يريدها أي (تلك اللحظة) أن تكون:
(حسرات لحظات مرت في وجل كصدى يطير مضيعاً عبر السنين…. ماذا يكون حبيبتي ماذا يكون حبيبتي ماذا يكون؟؟)
والخوض في أمر (اللحظة) عصي جداً يدخلنا في مجاهيل ومتاهات عديدة لا داعٍ لخوضها الآن…. لكنها في مجملها (أي اللحظات) ما هي إلا مجامبع الحياة والذكريات وتكاد (اللحظة) الفاصلة بين ما مضى وما هو آتٍ أن تكون (منعدمة تماماً).
وعلاقة العنوان بهذه الأغنية فهو مبني على مجموعة ملاحظاتي و (لحظاتي) وخواطري وأنا في رحلتي العلاجية بمصر الشقيقة كنت أترنم بأغنية سودانية للفنان الراحل مصطفى سيد أحمد تقول:
كل الناس إثنين.. إثنين..
فرح يتكلم بي لغتين..
وهي أغنية سودانية سمعتها وعشقتها وأنا طالب بالجامعة لكني لم أرها تتجسد واقعاً إلا بمصر هنا ورغم عدم علمي باللغتين المذكورتين في الأغنية فحقاً هنا (أي بمصر) تتجسد صور هذه (الثنائية) الممزوجة بمظاهر المحبة والجمال والتعبير عنها والحقيقة التي أصبحت واضحة عندي أننا لا نعتني بمظاهر الحب ولا التعبير عنه، أقصد الحب بمفهومه الواسع في جميع العلاقات الإنسانية بينما نجيد بشكل شرس وقبيح التعبير عن الكراهية ونعلن مظاهرها ونعبر عنها بوضوح (أنا بكرهك) لدرجة حمل السلاح وظهور (الحركات المسلحة) كمظاهر تعبير عن الكراهية وما تعج به الوسائط يغنينا عن الحديث.
ألوان المحبة هنا (أي بمصر) متنوعة وزاهية وواضحة المظاهر… لكنها لدينا على العكس تماماً ولا أدري متى استطع أن اتأبط يد زوجتي في شوارع الخرطوم وعند ملتقى نيليها الأزرق والأبيض وأققول (هذه زوجتي) وأغني (هذه ليلتي).
أذكر أنني تزوجت في عهد (الإنقاذ) أو ما يعرف (بالحركة الإسلامية) وحكومتها (الرشيدة) ومشروعها الحضاري… َوعندما ذهبت بزوجتي لأحد الفنادق طالبوني بقسيمة الزواج كي يسمحوا لنا بالحجز ورغم أن مظاهر الزواج كانت أكثر من ظاهرة علينا إلا أنني لم أكن أحمل ما يثبت ذلك فاعتذروا لنا وتم تحويلنا كإجراء روتيني (لمكتب امن) حتى نتمكن (العيش) وممارسة حياتنا الطبيعية ولحسن الحظ وجدنا (ود حلال) وكانت زوجتي على بعد خمسة أمتار مني والحياء يكسو وجهها والحناء تخضب أيادينا والجدية تكسو ملامحي (قرر) سيادته السماح لنا بالحجز في الفندق المصلوب على النيل الازرق….
في السودان كل الجمال ممنوع حتى أصبح كل القبح مباح وقمة الخفاء أضحت عين الظهور.. ثلاثون سنة من الضنى والعناء وحد الفناء والفساد عم كل مجال… أن تتأبط ذراع زوجتك أو ابنتك أو حتى والدتك فكل الأوراق الثبوتية لن تعفيك من شرور (النظام العام) والأجهزة الامنية..
حديثي هنا ليس عن الحب والاحترام التقدير بقدر ما هو عن مظاهرها والمكنونات علمها عند الله… و(النظام العام) وقبله الكثير كان وراء محاربة مظاهر الحب والجمال وحولها إلى قبح وفساد والنوايا علمها عند الله..
ذهبت (الإنقاذ) لغير رجعة وما زلنا لا ندري ماذا يكون؟؟
وهل سيكون الغد أجمل؟؟؟
لا أدري ولكن يبدو انني سوف أظل أغني مع (الست):
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غد
يال شوقي واحتراقي في انتظار الموعد
ولعل لسان حال أهل السودان في ظل الأوضاع الراهنة يقول:
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
سلام