25 فبراير 2023
قلنا في مقالينا الفتنة بين الجيش والدعم السريع (1) و(2)، ومقالينا الحملة الإعلامية المنظمة ضد الدعم السريع وقائده (1) و(2)، إنّ الجيش مؤسسة قومية وطنية قديمة وفاعلة، همّها وواجبها حماية الأرض والعرض في الوطن السودان، وهو واجب مقدس يتطلب احترامها من كافة أهل السودان، وهي تقف في الحياد على مسافة واحدة من كل القوى السياسية السودانية دون أن تنحاز أو تنتصر لأي فريق على الآخر، وهي منتشرة في كل السودان.
وقلنا إنّ الدعم السريع قوات مساعدة للجيش، ولها مهام خاصة، وأُنشئت بقانون مجاز من الهيئة التشريعية القومية وصادق عليه رئيس الجمهورية، وهي قوات غير مسيسة، جاءها التسييس بعد دخول قائدها في المجلس العسكري ثم من بعد السيادي، وصار جزءاً من المنظومة الحاكمة، وصار يدخل في السياسة يمارسها، والسياسة دائماً محل خلافات ووجهات نظر، بل محل اختلافات، بعضها لله وبعضها لغرض، ولكن هذا الموقف مشروع إذا احتفظ الشخص برأيه دون الدخول في عداءات مع الآخرين، لأنّ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية هذا أولاً.
ثانياً مطلوبٌ أن تكون العلاقة بين الدعم السريع والجيش قوية، وخاصّةً بين قائد الجيش والدعم السريع وحتى ولو تباينت الرؤى السياسية، لأنّ هذه علاقة مؤقتة والأصل في العلاقة بين القوات المسلحة والدعم الدعم السريع علاقة متينة وأصيلة لا تعكرها المواقف السياسية ولا المواقف المختلفة الشخصية منها والعامة، لأنّ الأمر ليس خلافاً عسكرياً، ولكنه خلاف سياسي، بحجة أنّ كل واحد يرى الأمر من زاوية، وليس بالضرورة الاتفاق على المواقف السياسية، ولكن بالضرورة الاتفاق فيما هو عسكري.
ولذلك، مطلوبٌ الانسجام في المواقف العسكرية، ولكن ليس بالضرورة الاتفاق على ما هو سياسيٌّ، ولذلك الانتباه لهذا هو الذي يجعل العلاقة العسكرية بعيدة عن النزاع السياسي، لأنّ السياسة منعطفاتها كثيرة، وهذا يستدعي حصافة وكياسة من الرجلين، ولكن أنا ألاحظ أن الحملة الإعلامية ضد الدعم السريع وحميدتي هي حملة مُمنهجة ومُرتّبة ومقصودة ومُنظّمة، ليس القصد منها دمج قواته في القوات المسلحة وهو نفسه مقر بذلك وموافقٌ على الدمج وفق أركان وجداول محددة، ولكن الحملة لا تتحدث عن الدمج، بل حملة مقصودة لدخول الرجل في المكان الضيِّق والممنوع، وهو مركز القرار والسلطة والحكم ليتولى موقعاً قيادياً في دولة السودان حكر لنخب لا رصيد جماهيري ولا شعبي لها، ولكن رصيدها انتهازي قائم على الفهلوة والاستهبال السياسي، ويعمل ليجعل كل الآخرين يدورون في فلكهم، وممنوع الاقتراب أو التصوير كأنه مؤسسة عسكرية، ولكنه مؤسسة مدنية ممنوع الاقتراب منها إلا لأشخاص بمواصفات خاصة، وهم مجموعة نخبوية لديها مصالح خاصة تجير الحكم لها على حساب الشعب السوداني في ريفه وهامشه وحضره، والغريب في الأمر يختلفون في المشارب الفكرية ولكنهم يلتقون في المشارب والأفكار المصلحية والسعي للسيطرة على الحكم في السودان ودائماً، لأن لديهم المال والجاه والسيطرة على السلطة، وكثيراً ما يتعاونون مع الأجانب ولو على حساب الوطن، وهذه المجموعات ليست قبائل أو جهات، ولكن قوم متسلقون على حساب الكل، يتغيّر الزمان والمكان ولكن لا يتغيّرون، ولذلك هذه الطغمة متواجدة باستمرار في أماكن الحكم منذ الاستقلال، وهي تجمع قوى يبعد كل أهل الهامش والريف رغم أكثريتهم، ويسيطر على الحكم بأساليب مختلفة، منها ما يجري مع حميدتي الآن، وما حدث مع كثيرين في حقب السودان المختلفة بأساليب مختلفة!
عليه، أعتقد أنّ هذه الحملة الإعلامية التي تُدار الآن ضد الدعم السريع وقائده، ليس القصد منها تبعية الدعم السريع للجيش، ولا علاقة حميدتي والبرهان العسكرية، ولا لمواقفه المؤيدة للقحاتة والاتفاق الإطاري، ولكن لأنه دخل المناطق الممنوع الاقتراب منها حتى ولو دخوله هذه المنطقة مؤقتاً، ولكن لأنه لاعب جديد في ميدان رطب ممنوع اللعب لأمثاله فيه.
لذلك، اعتقد الأمر لا علاقة له بالأمور العسكرية ولا بمصلحة الشعب، ولكن لأمور أخرى ضيّعت السودان منذ الاستقلال، فالحرب الأهلية التي بدأت قبل الاستقلال واستمرت حتى النزاع الحالي، سببه احتكار السلطة والحكم والمال، ويظل المكنكشون ممسكين ويُقاتلون عن حماهم، والآخرون زاحفون نحوها.
ولذلك، بانتشار العلم والمال ومعرفة الحقوق والواجبات ستتغيّر المعادلة وسيزول حكم الأقلية بالفهلوة والاستهبال السياسي والمصالح المثوارثة على الأغلبية المهمشة قريباً.
ولذلك، هذه الحملة الإعلامية المُنظّمة والمُمنهجة ضد حميدتي وقواته ليس مقصوداً منها توحيد القوات في جيش واحد، لأن حميدتي نفسه مُقرٌ بالدمج، ولا لأنه هاجم الفلول والكيزان، ولا لأنه واقف مع القحاتة والإطاري، ولو كان الأمر كذلك، لقلنا إنّه يستحق أن يهاجمه هؤلاء، لأنه دخل معهم في صراع وخاصة الفلول والكيزان، ولكن حتى القحاتة وأصحاب الاطاري لا يدافعون عنه، وهو ساند لهم ومدافع عنهم، لأنهم أنفسهم نخب المركز وأصحاب الشوارع الثلاثة والحارات الأربع.
إذن، على، حميدتي أن ينتبه، وأن يقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، وأن يوطد علاقة مع الجيش والبرهان، وأن يبتعد عن دعم أي جهة، ولا يقف مع جهة ضد الأخرى، ولا ينحاز لأيِّ فريق، هو عسكري وليس سياسياً، تستغله هذه المجموعات المُتناحرة لمصالحها، وهي ضده وتحفر له ولقواته.
في كل الأوقات، اجعل سندك أخي حميدتي قواتك والقوات المسلحة، وهذا الشعب السوداني في كل بقاع السودان، ولكن هؤلاء التيارات السياسية الذين تتعامل معهم ليسوا سنداً لك، وسيتخلون عنك في أقرب لفة، ويعتبروك مغفلاً نافعاً يقطعوا بك فرقة، لأنك لا تشبههم فكراً ولا حياة ولا عملاً ولا بيئة ولا ديناً ولا صفات ولا خُلُقاً ولا أخلاقاً ولا مواقف، والذين تتعامل معهم يأكلون في مائدتك ويسبونك، بل قد يتآمرون عليك!
امسك في الشعب الضعيف المسكين هذا في كل بقاع السودان، هو سندك وعضدك وقوتك.. الباقي كله استهبالٌ سياسيٌّ، عليك بالتعامل الطيِّب والمتين مع القوات المسلحة وكل القوات النظامية والشعب السوداني البسيط، واجعل كل القوى السياسية على مسافة واحدة منك، وميِّز بين الغث والسمين، امسك عليك لسانك، وقلِّل من التصريحات، وأبعد عنك فولكر والمجتمع الدولي، هؤلاء كذبة وهم لا يضروك بشيء إلا كُتب لك ولا ينفعوك بشيء، جفت الأقلام ورفعت الصحف.