المشهد السياسي.. الانقسام سيد الموقف
المشهد السياسي.. الانقسام سيد الموقف
الخرطوم- صلاح مختار
المتابع للمشهد السياسي الداخلي للبلاد, يترآى إليه حالة التناقض والارتباك والإرباك وعدم الثقة بين القوى السياسية بصفة عامة، فمنذ إجراءات البرهان في أكتوبر 2021م، شهدت الساحة السودانية انقساماً حاداً تسبب في عدم الوصول إلى أي توافق أو اتفاق بشأن القضايا الوطنية. والسؤال الذي يتبادر لأذهان الكثيرين هو أن هذا الوضع هل سببه النزعة الشخصية للقوى السياسية أم أطماع الأحزاب أم التدخلات الخارجية وصراع المصالح وتقاطعها؟ ما قاد إلى تأزيم المشهد الداخلي. البعض يرى أن كل تلك الأسباب كانت حاضرة بشدة في المشهد السياسي السوداني. بالتالي من المستفيد من ذلك التناقض والإرباك الداخلي؟
قاعدة الوفاق
كان التناقض والإرباك في المواقف ما بين تحالف قوى الحرية والتغيير المركزية والكتلة الديموقراطية فيما يتعلق بالاتفاق الإطاري والذي توِّج بالإعلان السياسي الذي يأمل الكثيرون في التوقيع عليه في وقت قريب, والذي يشكِّل أكبر قاعدة للوفاق السياسي الذي يمهِّد للانتقال السياسي خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي بقيام الانتخابات.
وعلى الرغم من تفسيرات البعض للتصريحات التي خرجت من رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، ودمغ الأمر بالخلاف، إلا أن المحلِّل السياسي إبراهيم آدم إسماعيل، قال: إن تلك التصريحات لا تخرج من سياق واحد أنهما متفقان على التحوُّل المدني والجيش الواحد, ويرى إسماعيل في حديثه لـ(الصيحة): إن الصورة الذهنية للبعض تتخيَّل احتمالية وجود صدام قادم، ولكن عكس ذلك أنهما متفقان في الجيش الواحد وهو أهم شيء, رغم اختلاف نظرتهما حول التحوُّل السياسي أو العملية السياسية الجارية. والتي لا غبار عليها أنهما مع الإطاري، ولكن بكيفية ونظرة كل واحدة منهما يختلف عن الآخر وهو أمر طبيعي.
الشد والجذب
يبدو أن المخاض العسير متوقع في ظل اقتراب المشهد من الحل والتوقيع على الإعلان السياسي. وكلما أصبح الأمر وشيكاً وقريباً من النهائيات يظهر الإرباك والشد والجذب بين المكوِّنات السياسية الحريصة على مصالحها خلال الفترة الانتقالية.
ويرى المحلِّل السياسي والأكاديمي د.عمر عبد العزيز لـ(الصيحة)، أن تلك الحالة دليل على أن الناس وصلوا إلى النهائيات. وأضاف: في تقديري عندما يصل البعض إلى منتصف رأس الحربة, فإن مجال المناورة وتأجيل القضايا يحصل فيه التفاف شديد. لذلك الآراء والمواقف تضع على التربيزة. مؤكداً أن الشد والجذب في الأساس بين المجلس المركزي والقوى الأخرى الذي لا يريد الاتفاق مع الآخرين ويريد أن يسيطر على الموقف, ويكون لديه اليد العليا، وما بين الكتلة الديموقراطية.
ولفت إلى أن المجلس المركزي يرى أنه يتقوَّى بفولكر وبعض القوى الخارجية, بحكم أنها القوى التي دعمت وثيقة المحامين, وتعتقد أنهم يقفون معهم حتى النهاية. وقال: لا اعتقد خلاف ذلك يوجد توتر, لأن هنالك ضغوط كبيرة لتقريب الشقة بين الأطراف بالتدريج, وأضاف: أتوقع في النهاية الوصول إلى معالجة .
عملية مخاض
وأكد عبد العزيز، أن الارتباك باعتبار أن هناك مخاض عسير للوصول إلى نقطة الالتقاء. ورأى في النهاية الخيار الأخير لن يرضي هذا أو ذاك. لأنه إذا وقفت تلك القوى فلا خيار للجيش سوى إعلان الحكومة ومن ثم إعلان الانتخابات, في أقل من الزمن المطروح, للاتفاق الإطاري. وبالتالي هذا خيار غير جيِّد للطرفين, ولذلك القوى التي تضم تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ترفض الانتخابات المبكِّرة، وادعاء أن الانتخابات لا تقوم إلا وفق شروط كثيرة وتعجيزية, وهي أشياء تحتاج إلى سنوات حتى تقوم في ظل جيش واحد وعودة اللاجئين والنازحين, وغيرها من الشروط. وقال: هي شروط لشخص يريد تأجيل الانتخابات. في المقابل الكتلة الديموقراطية والحركات المسلحة بالتحديد تحتاج لعامين للخروج من إطار العمل المسلح, وتتحوَّل لأحزاب سياسية وتكون لديها هياكل وبرامج وتنفتح على مستوى السودان. بالتالي خيار حكومة الأمر الواقع للجيش إذا قلب الطاولة وأعلن انتخابات لن تكون متوفرة .
صراع وصدام
وقال عبد العزيز: (لا اعتقد أن هنالك صراع بين الجيش والدعم السريع أبداً ولن يحدث صدام)، لأنهما أبناء مؤسسة واحدة وجيش واحد وجلالة واحدة ومعلم واحد.لكن هناك تباين في وجهات النظر على مستوى القيادة. مبيِّناً أن الجيش رأيه واضح وصريح وأعلنه البرهان بأنهم لايريدون تكرار التجربة السابقة, وقال: عدم الانفتاح والتوافق لا يقود إلى إكمال الفترة الانتقالية. لذلك لابد من انفتاح أكبر ليكون جزءاً من التأييد. ورأى أن حميدتي يرى أن الذين وقعوا على الاتفاق الإطاري قوى كافية. ولذلك هذه وجهات نظر وتباين وليس خلافاً. وقال: أما قضية دمج الدعم السريع سواء أدرج في الإطاري أو غير ذلك هو أمر لابد منه. ووجوده في الجيش شيء طبيعي بالتالي ليس هنالك صراع وإنما تباين في وجهات النظر, وكان الأفضل الخروج برأي واحد فيما يتعلق بالنقطة الخلافية في الاتفاق الإطاري, سواءً بدخول الكتلة الديموقراطية أو لا. ورأى أن حالة الارتباك في المشهد السياسي أعطى فرصة للتكهنات, ولذلك لن يحصل صدام في المؤسسة العسكرية أو صراع أو انشقاق في المؤسسة العسكرية. بالتالي إذا فشل المدنيين في النهاية سينزل الجيش لحكم الأمر الواقع وتشكيل حكومة تكنوقراط وإعلان انتخابات في أقل من سنة.
الكتلة الثالثة
وأشار عبد العزيز، إلى أن الكتلة الثالثة وهي نداء السودان والتيار الإسلامي الذين يلتزمون الصمت الآن, وقال:” قد يكون رغبة في تماسك البلد وعدم زيادة الفجوة”. ولكن هناك مشكلة واحدة ما لم تشكل حكومة مدنية لا نتوقع استئناف الدعم المالي من المؤسسات الدولية”. وتابع: “أما المصفوفة التي وقعت أخيراً في جوبا لن تحل سوى 25% من المشكلة، وبالتالي لابد من إدماج الحركات وتكوين حكومة مدنية ووضع سياسية دفاعية جديدة”.