صلاح الدين عووضة يكتب : بعد حين!
23 فبراير 2023
حينٌ قد يقصر..
أو يطول؛ فاستبانة النصح سوف يأتي أوانها… أوَليس الصبح بقريب؟..
هو قريب… مهما طال ليل الشتاء..
وكذلك مهما طال ليل غباء البعض إزاء قضيةٍ ما… إزاء عواقبها الوخيمة..
فسوف يأتي زمان إصباحها حتماً..
غباء البعض أو الكثرة – من الناس – لا يهم… فالغباء أحياناً قد يكون جمعياً..
فغباء الألمان كان شبه جمعي أيام هتلر..
وفي ظنهم أنهم شعب الأرض المختار… الذي يجب أن يحكم الأرض هذه..
وأن جنسهم الآري هو الأحق بالسيادة..
فهذا غباء جمعي لم يفيقوا من ليل جهله إلا عند انبلاج صبح الحقيقة المُرّة..
وما زالوا إلى يومنا هذا يعتذرون عنه..
وقبيل معركة كرري مارس قادة المهدية غباء جمعياً… عدا واحداً منهم..
وهو ثعلب الحروب عثمان دقنة..
فقد اجتهد في نصحهم بمهاجمة جيش كتشنر ليلاً… تجنباً لتفوقهم الناري..
حتى إذا أصبح الصبح دان لهم النصر..
بيد أنهم أصروا على الغباء… على الجهل… وقالوا بل نهجم عليه صبحا..
وكتشنر – آنذاك – كان يضع يده على قلبه..
لم ينم إلى الفجر… فقد كان يخشى أن يباغتهم الأنصار في جوف الليل..
حتى إذا ما تنفّس الصبح تنفّس هو الصعداء..
ومن عاش من قادة المهدية – ورموزها – أدرك بُعد نظر عثمان دقنة..
أدركوا ذلك بعد حين..
ثم كان هو القائد الوحيد الذي حقّق نصراً وحيداً… في ذلكم الصباح الدامي..
وذلك عندما باغت كتيبة متسللة قرب جبل سرغام..
وقبل أشهر من سقوط الإنقاذ كنا – وكدنا – نرى السقوط هذا رأي العين..
بل قبل أشهر من اندلاع الثورة..
نراه رأي البصر… والبصيرة؛ ووثّقنا لرؤيتنا هذه عبر كلمات عديدة..
فسخر مَن سخر من أهل الإنقاذ هذه..
وسخريتهم هذه أيضاً مُوثّقة… ومنها سخريات زميلنا إسحاق فضل الله..
فقد كانوا يرون أن نجوم السماء أقرب لنا..
وما دروا أن السقوط هذا أقرب إليهم من حبل الوريد… وحبال سلطتهم..
طيب؛ ما الذي نريد أن نقوله الآن؟..
نقول إن الذين يعيبون علينا هجومنا على قحت – حتى لحظة سقوطها – خاطئ..
كخطأ غضنا الطرف عن أخطاء الجانب الآخر..
ولا يعلمون أننا ننظر إلى الأمور بمنظار يختلف عن الذي ينظرون عبره..
منظار المنطق… لا العاطفة..
فخطأٌ لخطأ يفرق… كما يفرق – وفقاً للأغنية – طعم الحلو لو يبقى مراً..
فخطأ العسكر هو تصحيحٌ لخطأ أكبر..
ثم هو خطأ غير مقدور عليه – على عواقبه – سواء الحين… أو بعد حين..
حتى وإن طال هذا الحين..
إنه شيءٌ مثل أن تهدم جانباً من حائط بيتك… كيلا يقع بيتك كله بحيطانه..
وذلك إن حاصرته سيولٌ… أو فيضانات..
إنه شيءٌ – في نظريات الطب – مثل التضحية بالجزء… من أجل الكل..
التضحية بالقدم من أجل الساق… فسائر الجسد..
وقد كانت فترة العامين – القحتوية – كافية لندرك إلى أين نحن مساقون..
مساقون نحو فشلٍ… وفساد… وشمولية..
أما بالنسبة إلى انتخابات قد تأتي بآخرين غيرهم فنجوم السماء أقرب لنا..
ولكنا نضمن الآن – على الأقل – قيام الانتخابات..
وأيما انتخابات أعقبت ثورة في بلادنا – منذ الاستقلال – لم تشبها شائبة..
رغم إنها لم تكن ذات رقابة إقليمية… وأممية..
وعلى كلٍّ فإن ضمان إجراء انتخابات – في حيننا هذا – هو أمرٌ مؤكد..
حتى وإن صعب التأكد من ضمان نزاهتها..
أما في ذلكم الحين؛ حين قحت – إن لم تسقط – فما من انتخابات أصلاً..
لا نزيهة… ولا غير نزيهة..
وستدركون صحة حديثنا هذا إدراك إسحاق صحة حديثنا عن سقوط نظامه..
بعد حين!.