17 فبراير 2023
بدا حزيناً..
وحكى لي بأسىً عن شيء آلمه البارحة..
قال إنّ شباباً بجواره كانوا مُنهمكين في نقاش بينهم؛ واستحوذ على كامل انتباههم..
وكانوا ينظرون باهتمام شديد إلى هواتفهم النقالة..
فظننت – يقول – إنهم مشغولون بقضية إضراب المعلمين..
أو عاكفون على حل مسألة رياضية – أو فيزيائية – مستعصية..
أو يتجادلون حول مدى جدوى خطوات الوفاق الوطني السياسي الجارية هذه الأيام..
أو مهمومون بمُستقبل وطن ساءت أحواله..
أو – على الأقل – متابعون لخلاف لشكوى نادي المريخ للكاف عقب مباراة الترجي..
ولكنه فوجئ بأنهم في عالم آخر تماماً..
عالم لا دخل له بالسياسة… ولا المعيشة… ولا الوظيفة… ولا حتى الكورة..
فقد كانوا مشغولين بعالم المذيعات..
وتحديداً بمسابقة على مواقع التواصل عن أجمل مذيعة تلفزيونية ببلادنا..
أو حسب عنوان المسابقة: أكثرهن جاذبية..
وتعالت أصواتهم بصخبٍ شديد… على غرار برنامج الاتجاه المعاكس بشاشة الجزيرة..
فكل واحد منهم يصر على اسم مذيعة بعينها..
وحاولت أن أخفف من وطأة شعور محدثي بالإحباط..
فقلت له مخففاً من حدة حسرته: لعلك مخطئ يا عزيزي؛ والأمر ليس كما ظننت..
فلا يمكن أن ينحط شبابنا إلى هذا الدرك..
صحيح أن بعضهم – كما أقول أحياناً – سطحيون؛ ولكن ليس لهذه الدرجة..
وقديماً سعى صحافي لاختبار مدى تقبل شو للهزل..
فالأديب برناردشو كان معادياً لثقافة الكاوبوي الأمريكي في ذلكم الوقت..
فسأله الصحفي عن سبب عدم زيارته أمريكا..
فرد الروائي الساخر على سؤاله بآخر: ولماذا أزورها؟… لكي أرى تمثال الحرية؟..
ثم أجاب على سؤاله بنفسه: حقاً أنا مولع بالدعابة ولكن ليس لهذا الحد..
وكذلك شبابنا هؤلاء تنطبق عليهم صيغة الاستثناء ذاتها..
فالبعض منهم يتعاطون مع الحياة بهزل؛ ولكن ليس إلى هذا الحد..
فهل يعقل أنهم ينظرون إلى المذيعة كشكل فقط؟..
وهل يجهلون أن من مقومات المذيع الناجح الثقافة… والحضور… والتلقائية؟..
وهل مشاكلنا الآنية انحصرت في مدى جاذبية مذيعاتنا؟..
بل هل لا يعلمون – من الأساس – الفرق بين المذيع وبين مقدم البرنامج؟..
فكل الأسماء المتداولة هي لمقدمات برامج..
هذا ما عرفته من محدثي الغاضب الذي استمع لنقاشات أولئك الفتية..
تماماً كما الفرق بين الصحفي والكاتب الصحفي..
فليس كل من كتب في الصحافة يحق له الزعم بأنه صحفي مستحق لعضوية نقابة الصحافيين..
وكاتب هذه السطور سبق أن قدم برامج تلفزيونية..
فهل – تبعاً لذلك – يزعم أنه مذيع كتفه بكتف صاحب برنامج أسماء في حياتنا مثلاً؟..
ثم في الغالب أن معظم شبابنا يشاهدون فضائية سي إن إن..
ولم يروا في القناة الأشهر هذه – على مستوى العالم – أي اهتمام بجمال المذيعات..
إذن فالأرجح أنهم كانوا يتجادلون في قضية وطنية..
هكذا قلت لمحدثي في سياق دفاعي عن الشباب الذين استمع لنقاشاتهم الساخنة..
ومن ثم لجأوا إلى لغة الرمزيات تخوفاً من تطفله..
ومحور المسابقة كان – قطعاً – عن أكثر أنظمة الحكم جمالاً… وحُسناً… وجاذبية..
ولا أشك في أنهم قد صوّتوا لصالح الديمقراطية..
وظن محدثي – خطأً – أن نقاشهم المُحتدم كان عن أي المذيعات هي الأشد جاذبية..
فهي جميلة… بديعة… فريدة..