16فبراير 2023
ضرب الركود الاقتصادي، البلاد على طولها وعرضها، حيث تتوفّر السلع والعرض أكثر من الطلب، ودونكم المعروض من الأراضي والسيارات، فتجد مثلاً القطعة معروضة منذ عدة شهور لا تجد لها مشترياً، مما يعني أن هنالك كساداً أيضاً، وقبل أسابيع شاهدت فيديو لتجار بصل بولاية كسلا معروض بأثمان زهيدة جداً أقل من قيمة الترحيل والبذور والوقود، وأيضاً عرض آخرون في سوق دنقلا إنتاجاً وفيراً على ظهر البكاسي ولا يوجد مُشترون، وهذه كلها مؤشرات خطيرة على مستقبل الزراعة بالبلاد، نعم ينعكس الركود الاقتصادي العالمي على مختلف الاقتصادات، وكذلك على حياة الناس بأشكال عدة تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستويات النشاط الاقتصادي، وتدني مستويات الدخل والثروة، إلى جانب عدم اليقين المتعلق بالوظائف وبالدخل في المستقبل.
وتتوقّع أغلب المؤسسات الاقتصادية والبنوك العالمية ومعظم الاقتصاديين، انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود في عام 2023، والمتتبع للوضع الاقتصادي في السودان يلاحظ كل هذه العناصر والمؤشرات في الدورة الاقتصادية.
وقد سألت أحد الأصدقاء من جنوب دارفور من لهم علاقة بسوق الأبقار، أفادني بأن أسعار العجول في تدنٍ مريع، كما سألت أحد تجار التمباك، حيث أفادني أن التمباك متوفر بكثرة والعرض أكثر من الطلب، وأن تكلفة الإنتاج عالية من ورق حكومي وترحيل وحراسة وكسر ومقت وشتت وقطع الفندي ورص الكفافي، ازدادت فيها يومية العامل.
والآن يمكن القول إنّ السودان دخل مرحلة الركود الاقتصادي وأنا ليس خبيراً اقتصادياً، ولكن بحكم المتابعة والواقع المعاش أقول ذلك، وكل مواطن عادي يعلم ذلك وانعكس على معاشه اليومي.
وتتحمّل الدولة أول وأكبر دور في وضع خطط وحلول في مواجهة أي أزمة تلحق بالاقتصاد، سواء كانت فقاعة في أحد القطاعات أو ركودًا في الاقتصاد، أو تفشيًا للفقر والبطالة، واتساع التفاوت بين الطبقات.
وعلى سبيل، المثال قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا للمؤسسات المالية ومؤسسات الرهن العقاري والبنوك لمُواجهة الأزمة المالية العالمية وحتى مساعدات في إيجار المنازل، والآن هنالك قضية في المحكمة لتخفيض الديون لدى الطلاب لكل شخص دخله أقل من مائة وعشرين ألف دولار في السنة يُعفى له عشرون ألف دولار، ونحن الآن في انتظار نتيجة الحكم. هذا نموذج فقط وهذا يعتبر استثماراً في الثروة البشرية، لأن على الدولة أن تستثمر في سكانها أو ثروتها البشرية، وذلك من خلال الإنفاق على خدمات عالية الجودة للتعليم والصحة والتدريب المهني ورعاية المواهب، وأن تُوفِّر بيئة حاضنة للمواطنة النشطة أو الفاعلة، بمعنى تمكين المواطنين من تنمية قُدراتهم على كافة الأصعدة، وتوفير المناخ الملائم لتنشيط عملهم المجتمعي والأهلي.
وإجمالاً ووفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإنّه على الدولة توفير الموارد والبنية التحتية للسماح للمواطنين بتحقيق النجاح على نطاق واسع، وبهذا تكون الدولة قد صنعت «مواطنين منتجين»، وفي السودان يقتل المواطن ويموت بالإهمال.
وأيضاً هنالك عاملٌ مُهمٌ في جذب الاستثمارات الأجنبية وهو الأمن والاستقرار، فلا أحدٌ يغامر برأس ماله في دولة غير آمنة وسعر الصرف فيها مُتأرجحٌ!
نأمل أن يتفرْغ وزير المالية لوضع الخطط الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وأن يكون هَمّه الوطن والمواطنين جميعاً، وأن لا يضيع الوقت في السياسة ومجاراة القوى السياسية.. ومرحباً بحكومة الكفاءات.