يعتبر الشاعر علي محمود التنقاري واحدا من الأسماء الكبيرة في تاريخ الشعر الغنائي في السودان وله الكثير من القصائد والأغنيات التي نحتت في الوجدان الجمعي .. ومن الصعب بتقديري تجاوز أغنيات ملهمة بقامة (كيف لا أعشق جمالك التي تغنى بها العملاق عثمان حسين و أغنية الحبايب المعروفة (بعني مالهم) والتي تغنت بها عائشة الفلاتية وأغنية التحدي (أنا سلمتو قلبي) للفنان العظيم رمضان زايد.. وغيرها من الروائع التي خلدته كشاعر باهر وصاحب تجربة غنائية من الصعب تجاوزها في حالة إحصاء التجارب الجادة التي أثرت وجدان الشعب السوداني.
سيرته الذاتية:
وكما يقول عنه الكاتب والموثق صلاح بجراوية (يعتبر الشاعر الراحل من منطقة جبل أم علي ريفي شندي) ، والتنقاري هو جد الأسرة وهو (حامد بن مكي بن علي بن الشيخ حامد اب عصاة سيف بن عمر جد العمراب، وسمي حامد بالتنقاري لتبحره في العلم)، هاجرت اسرة الشاعر الى أم درمان، وكان والده فقيهاً بارعاً ومعلماً للقرآن الكريم، وعمل أستاذاً لتعليم الفقه والقرآن الكريم بأم درمان. وكان ميلاد شاعرنا عام 1918 بحي (ود أرو) بأم درمان.
في مدينة المسلمية:
وهو صغير سافر لفترة ست سنوات الى مدينة المسلمية وكان أعمامه يعملون فيها بالتجارة ولم ترق له وعاد الى محبوبته أم درمان. وعمل بالتجارة مع عمه التاجر المشهور حاج بشير الشيخ العمرابي وأخيه صديق الشيخ الى ان استطاع تكوين عمله التجاري الخاص به بسوق أم درمان .. وتعتبر قصائد التنقاري هي حلقة الوصل بين أغاني الحقيبة والغناء الحديث الذي جاء بعدها وهو محطة هامة جداً بين الفترتين، ولا سيما ان شعر التنقاري كان جزلاً رصيناً، وكان إنتاجه غزيراً ووافراً جداً، وغنيت له عشرات الأغاني غناها رموز الغناء السوداني المشاهير .. وتوفي عليه الرحمة والمغفرة في عام 1968 بأم درمان.
محطة مهمة:
التنقاري محطة مهمة (وليست سندة) في الشعر الغنائي السوداني، وهو من (أهل الفترة) الذين ربطوا أغنية الحقيبة بالأغنية الحديثة. والتنقاري تميّز بنوع من الحداثة الاجتماعية والفنية وهو تاجر التجزئة التقليدي الذي لم يتجاوز تعليم الخلوة لكنه كان (طليعياً) وشكّل ثنائية مع عائشة الفلاتية وهو مُجلبب مُعمّم ينظر إليه كثيرون باعتباره من الحرس القديم.. وقد دفع بالفلاتية إلى مراق لحنية غنائية عذبة واسهم في إعلاء نجوميتها.. وقدم لها أغانٍ غاية في الروعة حتى أصبحت على ما هي عليه.. بداية من أغنية “الحبايب” (عني مالم صدوا واتواروا) و(أنا بحبك يا مهذب) و(التجني) والأغنية الرائعة (ألحان الربيع معرض الزهور.. غني يا طيور غني) ثم أغنية (من دار الإذاعة) وهي فريدة في بابها تنويهاً بدور الإذاعة وسيرورتها.
شاعر عصامي:
والتنقاري كما أشرنا من العصاميين الذي لم يمروا على التعليم النظامي ولكنهم فتحوا المغاليق وشقوا طريقاً عجيباً في (تفصيح الدارجية) بحيث يصبح من العسير أن تفرّق بينه وبين الشعراء (المثقفاتية) مثل بازرعة وحسين عثمان منصور ومبارك المغربي ..الخ. وانظر إلى هذه اللغة التي كتب بها مبكراً لعثمان حسين “كيف لا اعشق جمالك”: (بسمتك توحي الأغاني.. أسمى آيات المعاني.. في هواك لاقيت هواني.. وبيهو راضي.. مُعترف قلبي ولساني.. تندي زي زهر الخميلة.. عالية أخلاقك نبيلة.. ويخجل البدرين هلالك)..! ثم “أنتَ رافل في نعيمك.. بس أنال منك جحيمك..؟ قوللي كيف أظفر بليمك..؟ ناري تُطفا.. روحي ترقا.. في سما العز زي كمالك”..!
كيف لا اعشق جمالك:
هذه من الأغنيات التي صعد بها نجم عثمان حسين.. وزامنت “كيف لا اعشق جمالك؟” أغنية “حارم وصلي مالك؟” لصديقه عتيق.. وكم كانا صديقين يُعجب كل منهما بالآخر.. وكلاهما من نوابغ شعراء الأغنية..!! غير أغنية (تحدي) التي غناها رمضان حسن وشغلت الناس: (أنا سلمتو قلبي وقايلو أمين عليهو / تحداني وجفاني ونسى إخلاصي ليهو) وأغنية محجوب عثمان ذائعة الصيت: (كتير يا روحي مشتاق ليك) وأخطر منها (مالو قلبي الأسروهو) ، للتنقاري أغنية أسبق (مثل الموشحات) غناها كرومة وعلي أبو الجود ثم خلف الله حمد: هي (سهران دمعي ساكب.. أنا بهوى الكواكب).. ويختم أحد مقاطعها ويقول: (عني بعديد سماها.. وطرفي إذا رآها.. قلبي يزيد عناهو وروحي يتم مناها.. قسماً بي البراها.. هي روح المسالمة وهي تاج المواكب..!) ثم يقول (لو نظرت عيونك في نور وجنتيها.. من غير شك تآمن كل الحسن ليها.. وتغريك بالوسامة.. وتشفيك بابتساما.. وتسكر من كلاما.. وأدبا واحتشاما.