عصام الصولي يكتب: حميدتي.. مهارة السباحة في محيط سياسي هائج ومضطرب
15 فبراير 2023
اختلفت أو اتفقت معه أو حوله، يظل الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، أحد الفاعلين المؤثرين جداً في المشهد السياسي السوداني في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر البشير، بل ويُنسب إليه الفضل والدور الأكبر في انتصار تلك الثورة. وهذا بشهادة رموز وقيادات الثورة المباركة، لدرجة أن وضعوا صوره على منصاتهم ايام الاعتصام، وهتفوا وغنوا له “حميدتي الضكران يا مخوف الكيزان”.
وللحق والحقيقة، فإن الفريق أول دقلو لعب دوراً محورياً ورئيسياً في حماية الثورة والوقوف بقوة ضد أي ارتدادات لنظام الإنقاذ، وما تصريحاته العفوية المستمرة أيامئذ وفضحه للأسرار التي أرادت ان تجعل منه جلاداً للثوار، إلا خير شاهد، بل إن الرئيس المعزول طلب منه وفق فتوى نصح بها قتل الثلث من السودانيين ليعيش الثلث كما قال دقلو بذلك، وطارت به الأسافير والميديا الحديثة.. ولم تتوقف أدوار الرجل في محطة تأمين الثورة، بل لعب دور الحارس الأمين من محاولة اختطافها ايام صعود ابنعوف لكرسي الرئاسة ليوم واحد، يوم إذاعته لإعلان عزل البشير، يومها أرادوا تكوين مجلس عسكري يضم فيمن يضم ثلة من كبار رجال البشير العسكريين، أمثال كمال عبد المعروف وصلاح قوش وأمنيين آخرين، إلاّ أنّ دقلو رفض الدخول في المجلس إلا بإبعادهم، الأمر الذي تم بعد ذلك.
ومع مضي قطار الثورة الى محطة الحكومة الانتقالية كانت للقائد أدوار مشهودة وتصريحات، فضح خلالها عوار النخبة الحاكمة وفشلها في إنزال أحلام وطموحات السودانيين في تغيير حقيقي ينقل حياة الناس الى الأفضل وحصد ثمار التغيير، ولكن كان الفشل والخيبات هو ما جنوه من طغمة كان همّها الأول هو كرسي السلطة.
اهتم دقلو منذ الوهلة الأولى بالقضايا التي تشغل بال الناس ومعاشهم، وكان جواداً وسخياً حيال الملمات التي تكالبت على أجزاء الوطن، فتارةً تجده في دارفور يضمد جراحها ويعقد مؤتمرات الصلح ويواسي المكلومين، وأخرى يُسيِّر قوافل الدعم والإسناد للنيل الأزرق للمتضررين من أحداث العنف، وثالثة تتجه قوافله صوب المناقل ونهر النيل لإغاثة متضرري السيول والفيضانات، ولم ينس مع كل ذلك أطفال المناصير ومُعاناتهم من لدغات العقارب، فيتكفّل بالأمصال، ويقتحم دقلو ميدان الرياضة فينثر الفرح في نفوس المريخاب بإعادة تأهيل إستادهم الذي بسببه يمّم المريخ شطر إستادات العالمين لاستقبال مباراياته أعطوه أو منعوه!! علاوةً على ذلك فأدوار دقلو المشهودة تجاه الإدارة الأهلية أعادت الروح لتلك الفئة المجتمعية المهمة، فطفق يزورهم ويتلمّس مشاكلهم ويرسي معهم الآمال العراض في أن تقوم الإدارات الأهلية في ترميم وبناء السلم المجتمعي ودعمهم بالمعينات اللوجستية، هذا غير تكفُّله من ماله الخاص في بناء المساجد ودُور العلم ودعم الطلاب وذوي الحاجات. ولم تقف جهود حميدتي في هذه الجوانب الداخلية فحسب، بل امتدت للجارة الجنوبية فرعي سلام جوبا بين الفرقاء الجنوبيين حتى استقرت الأحوال هناك وانصرف الجميع لبناء دولتهم، هدى اتفاقياتهم بشهادة حميدتي، وعند بلوغ البلاد مرحلة مفصلية تكون أو لا تكون انحاز القائد لصوت الحكمة ووقع على الاتفاق الاطاري، الذي عدّه الكثيرون المخرج الوحيد والأخير لتلافي الحريق الذي اذا فشل فسيعصف وطناً كان اسمه السودان.!