أعودُ للتعليق على بعض نقاط مهمة أثارها الأستاذ وجدي صالح المحامي، العضو القيادي بقوى الحرية والتغيير من خلال تسجيله المتداول، أُولى تلك النقاط أن جهاز المخابرات السوداني أصبح بموجب الوثيقة الدستورية جهازاً لجمع وتحليل المعلومات يتبع لمجلس الوزراء، وثانيتها أن الجهاز لم يعد قوة نظامية بل جهازاً مدنياً، والثالثة أن الجيش والدعم السريع يتبعان للقائد العام لقوات الشعب المسلحة الذي هو وزير الدفاع بحسب ما جزم به القيادي المذكور .
عملية جمع المعلومات قد يستبسطها البعض ويظنها أمراً سهلاً كجمع صفق شجر أو حبات مسبحة مُشتتة، والواقع أنها عملية مُعقّدة، خاصة إذا تعلقت بوثائق سريّة ذات صلة بمكافحة الإرهاب والتجسس والتزوير والتزييف والجرائم العابرة للحدود وما شاكلها من ملفات باتت محل تركيز واهتمام إقليمي ودولي، حيث أنها قد تتحول إلى عمليات ميدانية تقتضي المراقبة والمطاردة والمواجهة وغير ذلك من الإجراءات الأمنية والاستخبارية والفنية بتفاصيلها المعلومة .
هذا الواقع قد يطرح سؤالاً حول ماهية المنطق الذي كان وراء قرار تتبيع الجهاز – بصفة رئيسية – لمجلس الوزراء بدلاً عن مجلس السيادة أو رئيس مجلس السيادة؟ هل توفر إدراك وانتباه كافٍ لمتخذي القرار حول المهام الوطنية والإستراتيجية التي يضطلع بها جهاز المخابرات السوداني أم أن القرار جاء متأثراً بالموجة السياسية الهائجة؟ أليس متوقعاً حدوث ارتباك واضطراب في الأداء والناتج المهني للجهاز في ظل ازدواجية التبعية أو سوء التقدير لدوره؟
ما المقصود بصيرورة جهاز المخابرات إلى جهاز مدني بدلاً عن قوة نظامية؟ وهل تم فعلاً الاتفاق على ذلك والتقرير بشأنه أم أنه مجرد اجتهاد؟ وإذا صحّ ذلك، هل سيتم تحويل عضوية الجهاز إلى موظفين بدلاً عن ضباط وصف وجنود؟ هل ستتحول التراتبية إلى درجات وظيفية مدنية؟ ما هي تجارب الأجهزة النظيرة في المنطقة؟ ما أثر كل ذلك على منظومة الجهاز ودورها في الإسناد الوطني النوعي؟ هذه ليست مسألة شكلية – كما يظن البعض – حتى يُفتى ويُقرَّر فيها بعجلة وعدم إحاطة كافية ودراسة وافية.
أما تبعية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للقائد العام لقوات الشعب المسلحة فلا تبدو مسألةً شاذةً أو غريبةً، لكن المدهش أن يقول الأستاذ وجدي بل يجزم أن وزير الدفاع سيكون هو نفسه القائد العام، الحقيقة أن منصب القائد العام للقوات المسلحة “رئيس هيئة الأركان المشتركة حالياً” هو منصب فني يختص بشئون القوات وإجراءاتها الداخلية، أما وزير الدفاع فمنصب سياسي له ولاية مجملة على وظيفة القوات وأنشطتها وعملياتها وهو المسؤول عموماً عنها أمام الحكومة، لكنه لا يتدخل في اختصاصات القائد العام إلا بما يحدده القانون، تماماً كحال وزير الداخلية مع السيد مدير عام الشرطة.. كيف إذن نتحدث عن الدمج بين المنصبين؟
مثل هذه الشرارات قد تنتهي يوماً ما الى احتقانات واشتعالات تعصف باستقرار كافة مكونات المنظومة الأمنية، وبالتالي الإضرار البالغ بمصالح إستراتيجية للوطن، ولذلك ربما كان لازماً عدم تركها غامضة حمّالة أوجه وعُرضة للاجتهاد والاستنتاج، إن من مصلحتنا جميعاً أن ندخل إلى المرحلة الجديدة من عمر الوطن برؤى واضحة وقناعات مشتركة وإرادة متحدة، إذ أن الوطن يحتاجنا جميعاً حتى وإن بقي داخل بعضنا شيء من روح الإقصاء والانتقام والضيق بالآخر .
كل عام وأنتم بخير .
الرقم 0912392489 مخصص لاستقبال رسائلكم