هكذا هي المشاريع القومية في بلادي، وهكذا دائماً ينكشف المستور وتظهر الحقائق عند أول اختبار حقيقي، حيث ظلت الطرق القومية في السودان خاصة تلك التي أنشئت حديثاً تعاني ما تعاني من إهمال وتدهور كبير، وهو ما يؤكد أن تلك الشركات التي نالت تلك العطاءات غير مؤهلة لتنفيذ الطرق التي تحتاج لإمكانات ضخمة ومسؤولية كبيرة.
لم يمض العام بعد، على افتتاح طريق الصادرات الذي استبشر به الناس خيراً، ولكن سرعان ما أحبط الناس بانقطاع الطريق خلال الأيام الماضية وخلّف جملة من الإشكالات.
النذير دفع الله
فشل الموسم
أحمد إدريس أحد الإداريين في سفريات “روذينا” قال (للصيحة)، إن ما حدث لطريق بارا أم درمان كلفنا كثيراً خاصة مع هذه الأيام التي تعتبر من الأيام المميزة لنا، وأكد أحمد أن البصات السفرية كانت تذهب عبر طريق الصادرات وتعود في نفس اليوم دون تكلفة وقود، بل إن سعر التذكرة للمواطن لم يتجاوز مبلغ الثلاثمائة جنيه، ولكن مع قطع الطريق وانهياره وصل سعر التذكرة ثمانمائة جنيه، والحصول عليها ليس بالسهل.
وكشف أحمد أن سعر الحافلة (الشريحة) كان سابقا بـ 450 جنيهاً وأصبح حالياً بمبلغ 1000 جنيه، بل لا نستطيع الالتزام لأي مواطن بقيام الرحلة في مواعيدها المحددة نسبة لأن البصات تذهب بطريق كوستي ولا تعود إلا في اليوم الثاني، علماً بأن أعداد المسفرين قد زادت كثيرَا وتكدس أعداد المسافرين بكثافة كبيرة.
ربع المسافة
وأشار أحمد إلى أن انجراف الطريق كان نتيجة للعمل السيئ، وعدم مراعاة المواصفات المطلوبة للطرق العالمية، مبيناً أن نسبة الحوادث في طريق الصادرات انتبه لها الناس لضيق الطريق، ولكن الحوادث ازدادت على طريق كوستي، لأن به كثيراً من العوائق والحفر.
عدم مسؤولية
أما حسن إبراهيم سائق أحد بصات شركة “مارفيل” فقد كشف (للصيحة) المأساة التي عاشها المواطنون خلال الأيام الثلاثة الماضية جراء انقطاع طريق بارا أم درمان، حيث قال حسن إن انقطاع الطريق كان الساعة التاسعة صباحاً بالقرب من خور (أبوزعيمة) الذي يبعد من جبرة الشيخ ببضعة كيلومترات.
وأشار حسن: عند بداية انقطاع الطريق كانت العربات قليلة، ولكنها تكدّست وتجمّعت بعد فترة من الانقطاع حتي وصلت حوالي أكثر من 40 بصاً سفرياً و30 حافلة صغيرة عندما انهار عدد من الكباري والمجاري التي لم تحتمل ضغط المياه، وأوضح حسن: عند الساعة الواحدة ظهراً قررنا العودة لأقرب نقطة، وهي (رهيد النوبة)، ولكن كثافة المياه منعتنا من التحرك، ولكن بعد جهد كبير عدنا لتلك القهاوي ولكن كانت أعداد الناس كبيرة وصل إلى أكثر من 1500 شخص، عليه أصبحت أسعار الوجبات عالية جداً حيث وصل سعر (الرغيفة) 5 جنيهات، وسعر طلب الفول 80 جنيهاً وسعر كباية الشاي 15 جنيهاً، وأصبح المكان كارثياً نسبة للرطوبة العالية وكثافة المياه. وقال حسن: هناك بعض العربات انقطعت بين اتجاهين لم تستطع التحرك للأمام أو الخلف، ولا زالت عالقة بعد أن تم إجلاء المسافرين منها، وأصبح مصيرها مجهولاً، وبالتالي تكون قد خرجت من الموسم الحالي.
وأضاف حسن أن الهيئة القومية للطرق والجسور لم تُبلِ بلاءً حسناً ولم تُعِر الأمر اهتماماً، حيث وصل متأخرًا لمكان الحادث أحد المهندسين الذي أكد أن العمل في الطريق بهذه الصورة مع وجود كميات المياه لا يجدي نفعاً، عليه قررنا العودة مرة أخرى لأم درمان ومنها انطلقنا عبر الطريق القديم الذي يمر بكوستي حيث استغرق منا ذلك ما يقارب 49 ساعة، حيث وصلنا إلى مدينة الأبيض أمس الأربعاء بدلاً من الإثنين، وأكد حسن أن المسافة التي جرفتها المياه تقدر بحوالي 9 كيلو مترات مقسمة على مرحلتين.
قالوا عن الطريق
الزميل والكاتب بصحيفة “الصيحة حماد حمد” كان قد أشار في إحدى كتاباته للعيوب التي يجب الانتباه لها في طريق الصادرات قائلاً: نوضح للقارئ العيوب الهندسية بالطريق، رغم أني لستُ بمهندس، ولكني أقيّم العيوب الظاهرة.
مضيفاَ: هذا الطريق الذي تضاربت الأقوال حتى في طوله، فمنهم من يقول (395) كلم، ومن يجزم أنه (341) كلم، وكما أسلفت، أني سلكته قبل أسبوع من افتتاحه، وتحديداً الأحد 20 يناير، من الأبيض وحتى أم درمان، لا يوجد به موقف جانبي واحد (parking) لوقوف السيارات أثناء سيرها، مع ملاحظة ارتفاع حواف الأسفلت وعدم إمكانية النزول من الشارع لكثافة الرمال. مما يعني إذا تعطلت عربة على الطريق أو أرادت الوقوف لأي سبب، يجعل العربة التي تسير خلفها تتوقف لأن إمكانية التخطي مستحيلة لضيق الشارع، وهو أحد العيوب، مشيراً أن الشارع على ضيقه لا يوجد عليه فاصل لمسارين، ولا توجد به علامات تحديد مسار العربة التي تُرسم بالبوهية البيضاء لتحدد منتصف الطريق، ولكل عربة مسارها، وهو ما يجعل إحدى السيارات قد تدخل مسار الأخرى، وفي حالة وقوع حادث لا قدر الله لا يُعرف من الذي تخطى مساره ودخل مسار الآخر، مبيناً أن الطبقة التي رُصف بها الطريق رقيقة جداً ولا تناسب شارع مرور سريع، وتسير عليه جرارات ثقيلة وبصات سفرية، والدليل أن المياه جرفت أجزاء منه بل حتى الكباري المعمولة على الأسفلت بدون مواصفات لمعرفة طبيعة الأرض، مما جعل أحدها ينهار، بل تسبب في خسائر مادية كبيرة، مجاري المياه وضعت عليها عُلبة.
وقال حماد إن بعضها لتصريف المياه، كتلك التي توضع في المعابر على مصارف الخريف فهل يُعقل أن تتحمل هذه العُلبة الضغط الذي يقع عليها من تلك الشاحنات الثقيلة؟
خوف ورعب
المواطنة خديجة إبراهيم، كانت ضمن أحد البصات، وقالت لـ(الصيحة) إن ما حدث في طريق بارا أم درمان كارثة حقيقية تدل على عدم الاهتمام، وأكدت خديجة أن الطريق لا يحمل أي مواصفة حقيقية خاصة وأن الطبقة التي رُصف بها الطريق خفيفة، ولا توجد مصارف تتحمل جريان تلك المياه الغزيرة، سيما وأن تلك المناطق معروفة بالسيول والأمطار.
وأوضحت أن الآلاف من الناس عانوا كثيراً، والأصعب من ذلك أن الأطفال الذين كانوا معنا قد ارتعبوا كثيرا وأصيبوا بالخوف والهلع .
عودة الحركة
مسؤول الإعلام بالهيئة القومية للطرق والجسور حامد كرزاي، أوضح (للصيحة) أن العمل في طريق الصادرات أم درمان ــ بارا بدأ منذ أمس ويسير بصورة طيبة، ومن المتوقع أن يعود للحركة اليوم، وأكد أن الطريق سيتحمل عودة الحركة خلال 24 ساعة القادمة بالتنسيق مع شرطة المرور ما لم تهطل أمطار أخرى تعوق الصيانة. وأشار كرزاي إلى أن العربات التي كانت عالقة بين الجهتين عادت لأم درمان يوم أمس، وأضاف كرزاي أن الأسباب التي أدت لقطع الطريق تتعلق بالشركة المنفذة، سيما وأن الجانب الذي حدث فيه الانهيار قامت بتنفيذه شركة زادنا للطرق والجسور وهي المعنية بالتوضيح عن أسباب انقطاع الطريق .
شركة زادنا
تولَّت شركة زادنا، تكملة ما تبقى من طريق الصادرات، أم درمان- بارا- الأبيض بتكلفة قدرها 30 مليون دولار، من جملة الميزانية الكلية المرصودة للطريق،150 مليون دولار- يعني خُمس الميزانية، ولكن يبدو أن زادنا لم تراع لضغط المياه في تلك المناطق، علماً بأن الشركة كانت في الموقع وشهدت أكثر من مرة هطول الأمطار مما يمكنها من معرفة الخلل ومعالجته بالطريقة السليمة، عليه وحسب شروط العقد المعروفة عالمياً ومتفق عليها يجب صيانة الطريق في أقصر مدة زمنية، مع وضع شروط جزائية حتى لا تتكرر ذات الإشكالية مرة أخرى .