سراج الدين مصطفى يكتب: بادي محمد الطيب .. كروان الحقيبة
(1)
بادي محمد الطيب..فنان من طينة الطرب الصوفي الشفيف،صاحب لونية خاصة مكتملة الدسم ..قدم أغنية الحقيبة وإنحاز لها بكل وجدانه حتى أصبحت هي ملمحه الأساسي..اهتمام بادي بالحقيبة وفكرتها كان سبباً في فقر سجله الغنائي..ولكن ذلك لم ينقص من قدراته الأدائية والتطريبية أو حتى من كونه فناناً عالي القيمة الإبداعية،أصبح بادي واحداً من رموز الغناء بشعره المرسل الذي يشير لصوفية الرجل العميقة التي جعلته ينحاز للمفردة الشعرية البريئة.
(2)
اسمه الحقيقى محمد المصطفى ويلقب منذ سنى عمره الأولى وولد في العام 1935 بحلة عباس بولاية الجزيرة ودرس الخلوة مثل أقرانه في صباه وحفظ القرءان الكريم وتلقى دراسته على يد جده لأمه وفي تلك الفترة ظهر جمال وطلاوة صوته بصورة لفتت له الأنظار وكان شقيق بادي فناناً معروفاً في حلة ود عباس وفي القرى المجاورة لهم وكان يتغنى بادي معهم، ولكن ما لبث أن استغل بنفسه ليصبح فناناً معروفاً على نطاق قرية الحلاوين والقرى المجاورة، ووجد بادي تشجيعاً من والده وبدأ بادي مشواره الفني بترديد أغنيات كلا من: محمد وردي ..إبراهيم عوض ..عثمان الشفيع ..حسن عطية وكان يشارك أهل قريته بالغناء لهم في أفراحهم.
(3)
غنى بادي أغنية قائد الأسطول في العام 1961 م، عبر برنامج أشكال وألوان الذي كان يقدمه للإذاعة أحمد الزبير وكانت هذه الأغنية من الأغنيات التي يمتحن بها الفنانون الذين يغنون بالإذاعة لأول مرة وقد أداها بادي بصورة جميلة حتى ظنه الناس أنه كرومة، وتعتبر -أيضاً- قائد الأسطول من الأغاني السياسية ذات الدلالة الرمزية التي تتحدث عن المستعمر في تلك الحقبة، وقد نظمت لهذه الأغنية مسابقة نظمتها مجلة هنا أم درمان وكان بادي متفرجاً على المسابقة فوجد نفسة يتفاعل مع الأغنية ويطلب المشاركة في المسابقة ليفوز ويصفق له الجمهور تصفيق حار.
بدأت علاقة بادي بالحقيبة فى مطلع الستينيات، حيث كانت مجلة الإذاعة والتلفزيون تنشر الأغاني وتحديداً أغاني الحقيبة وامتازت تلك المجلة بنشر الأغاني وكتابة أسماء شعرائها لذلك لم يجد صعوبة في الحصول على النصوص وحفظ ألحان الأغنيات من الإذاعة والتلفزيون وكانت في تلك الفترة يجوب الفنانين أقاليم السودان فشارك كلا من: أبو داوود وسيد خليفة رحلاتهما الفنية.
(4)
تغنى بادي بالعديد من أغاني الحقيبة المعروفة في ذلك الزمان، بل قام بتلحين الكثير من الأغنيات ومنها نذكر أغنية “الواعي ما بوصو” وهي من كلمات بت مسيمس وتتحدث تلك الأغنية عن عبدالقادر ود حبوبة بطل ثورة الحلاوين ولحن -أيضاً- أغنية “المقدر لابد يكون” و”الخدير” وغيرها من الأغنيات، إضافة إلى أغنية “أنت حكمة” التي كتبها علي عبدالله الأمي ومن ألحان كرومة.
(5)
من شدة غيرة الفنان بادي على أغنيات الحقيبة اقتحم من قبل أستديوهات الإذاعة بسبب أغنية. وتعود تفاصيل القصة إلى أن بادي كان يستمع لبرنامج أستوديو النجوم الذي كان يقدمه الأستاذ صلاح طه، واستضاف أحد فنانى مدينة سنار والذي تغنى بأغنية “ياحبيبى هل تدري أنا صاحي” وكان اللحن مختلفاً تماماً فما كان منه إلا وأن ارتدى ثيابه على عجل وذهب إلى الإذاعة واستأجر عربة تاكسي ليصل بسرعة من مقر سكنه بحي العباسية بأم درمان ليقتحم الأستوديو على الهواء مباشرة وسأل الفنان عن مصدر هذا اللحن ليغني الأغنية بلحنها الصحيح.
(6)
عرف الفنان الراحل بادي بحفظه التام لكلمات وألحان وتواريخ ومناسبات أغنيات الحقيبة، إضافة للقدرة الهائلة على الاستدعاء متى ما أراد ذلك فهو يمكن أن يغني في أى وقت، ويعود ذلك إلى حفظه المبكِّر للقرءان الذي جعل ذاكرته متقدة وكان ذلك غيض من فيض سيرته العطرة.