Site icon صحيفة الصيحة

إبراهيم أحمد الحسن يكتب: تأملات في حضرة إبداع سوداني ملهم

 

 

عزام عبد العاطي:

ماذا انا قائل في حضرة (جني قهوة) هل اسأل مثلما تساءل عزام، ام أمضي بالقصيدة إلى آخر تطوافها، عليّ أن اختار!! واخترت ما اختاره عزام .. اخترت ان أتساءل كما فعل هو: (قايلة ساي أنا جني قهوة؟؟) هل الجم السؤال هنا وامضي مع عزام إلى آخر القصيد مشياً على (الاشواق) وأغني معه (الفي عيونك من بريق/ ريد ../ كان على الريق احتسيتو/ ولسة في حسنك غريق/ جني قهوة..!!)

اللغط الكبير والجدل حولها الذي نالته رباعية نسج نولها عزام عبد العاطي، يقول عنها انه نشرها على صفحته في الفيسبوك، اخذها عنه احدهم وقام بإعادة بثها ثم تداولها آخرون منسوبة إلى شاعر الحقيبة الكبير محمد ود الرضي، قال عزام قطع اخضر نسج خياله (شالو حلوقن أدوهن قصيبات رقّن/ وشالو خدودن أدوهن ورود اتسقّن/ بدل عينيهن أدوهن كهارب بقّن/وأنا من الريده ما أدونى غير اتيقّن/ جن واردات وشقّن/ قلبي شيشن شقّن/ انا جنيت وكت نسّام عطورن طقّن/ شافن حالي وضحكن قر وقعدن نقّن/ أرمي الدمعة فوق الدمعة وهن يتلقّن/ وين الطرفو ناعس وطرفي ليهو محقّن/ وين الفاطرو في شان خاطرو أموت وتلقّن/ الناس همها العيشة وهدوم ودلقّن/ وأنا المكتول هوى المن حور الجنان اتنقّن).

السير على الماء:

ويسير عزام على الماء وحده في قصيدة عميقة سار فيها على الماء، وقال ان روحه طفت ثم هامت والمجرات ترامت، عزام يخض السير على الماء يتساءل كشاعر استحضر دهشة من القراء، ما تلك التي بيمينك : (قُلْتُ : مَا ذِي/بِيَمِينِي ؟/ قَالَ : قَلْبُكَ/ قُلْتُ : إحْلِف /فإذا بالمَاءِ يَخْفُقْ/وإذا بالصَّوْتِ يَعْلُو/وإذا بالصَّدْرِ يَغْلْي/قُلتُ : قَدْ أثْقَلتَ نَعْلِي قَالَ لِيْ : لَسْتَ لِوَحْدِكَ/ ألْقْ هَذِي /تُثْقِلُ المَاءَ/ ظَنَنْتُ المَاءَ يَهْذِي/قَالَ : واخْلَعْ عَنْكَ هَذا)

الجمعة في شمبات:

ذهبنا يوماً إلى شمبات و”حلاة الجمعة يوما وحلو شمبات مقيلا”، لنشارك عمّنا وخالنا إبراهيم أحمد الطيب مناسبة عُرس، وجلست “تحت فيحاء خميلة” في حوشه الوسيع، ولا يخفى عليكم من اسمه، أن (حلّالة المشبوك) جدّتي السيدة بنت الطيب، هي عمته (لزم).. وعندما ضج الشباب بأواني الضيافة، نادى مهندس الأقمار الصناعية صلاح محمد عبد الله، على أحد أبناء عمومتي وهو ينشط في خدمة الضيوف وسأله مندهشاً: “يا زول انت علاقتك شنو بناس العرس ديل”؟!.. كانت الإجابة الصاعقة للسائل: “ناس العرس ديل خيلاني”.

ولأن العريس كان ابن خالة المهندس صلاح، اكتشفنا أنا وزميل مهنتي صلاح، أننا: كذلك “أولاد خالات”، ولم يكن يجمع بيننا من قبل، سوى طبق الفول وطبق الأقمار الصناعية في محطة انتلسات بأم حراز جنوب الخرطوم.. حبوبتي بت الطيّب نفسها، هي من جعلتني أنا والشمباتي – زميلي في (شركة زين) في واحدة من محطات تاريخها الناصع – أسامة عبد العزيز، جعلت منّا (قرايب)، منحدرين من شلخ المطارق، أو أياً من الحروف الإنجليزية التي تزيّن خدود السودانيين.

وما أعجبها (شربكة) حبوبتنا السيدة بنت الطيّب عليها الرحمة، حين جمعتنا بصلة قربى (لحم ودم)، مع النقابي العطبراوي الأشهر، الطيب حسن الطيب الذي ربطت بينه وحسن خليفة العطبراوي، علاقة أخوة صادقة لازمتهما منذ الصبا الباكر، إلى القبر العامر بالرحمة. ويكفي الطيب فخراً، أن كتب لرفيقه وصديقه حسن خليفة العطبراوي: “يا وطني العزيز/ يا أول وآخر/ أهتف بحياتك/ وبحبك أفاخر”. ويكفينا فخراً، أنّه أول سكرتير لنقابة عمال السكة حديد في العام 1947، وأنه من مؤسسي رابطة نهر عطبرة الأدبية، وفرقة النهضة. ويكفيه فخراً، أن كان سبباً في كتابة وأداء الأغنية الرمز “أنا سوداني”.

الأمين عبد الغفار:

إذا أردت أن تعرف للغناء السوداني قيما وقيمة وحضورا طاغيا ينفذ إلى سويداء الشعور وعصب الحس ، اجلس واستمع إلى أغانيه ، لا يهم من أي المنصات تأتي وبأي صورة كانت، مقطع صورة وصوت من منصات التواصل الاجتماعي ، صورة وصوت من محطة للتلفزيون سودانية مبدعة، يظل هو هو ذات الصوت الشجي والتطريب العالي والطلة الجميلة، ولربما يأتيك الصوت عبر أثير إذاعة تتلفح بالجمال حس وحُسن وهندام حتى لو كانت تلك المنصة التي ينطلق منها الصوت الرخيم راديو أو كاسيت في حافلة للمواصلات يطل من أعلى العربة شمال السائق يضع حوله مجموعة من شرائط الأغنيات ولكنه لا يشغل إلا شريطه إما إعجاباً وطرباً أو بناءً على ما يطلبه الركاب، ومثلما كان ما يطلبه المستمعون تتصدر أغنياته الطلب، كان الطلب الأكبر من نصيبه هو (الأمين عبد الغفار).

من غيره جعل للشوق قصصا شتى أولها قصة شوق الصادق الياس والتي قال فيها (قصة الشوق يا حيارى.. مالها طال في الناس مسارها) دوزنها الأمين لحناً شجياً جعل الشوق يتدفق بين ثنايا اللحن حين يقول (باينة في عيون العذارى/ كل واحد لاقى نارا). لم يقف الأمين عند شوقه المتدفق حين صعُب عليه لملمته، بل قفز إلى حال المساكين.. ففي قصة الشوق صاح الأمين عبد الغفار في لازمة موسيقية طويلة ومضى يحاور آلات الموسيقى والعازفين من خلفها في منظر تجاوز الإبداع إلى عوالم أخرى تُحس ولا تُكتب، إحساس انغمس فيه الأمين مع فرقته الموسيقية والذين ذابوا مع قصة الشوق ومساكينهم ورددوا كلهم.. (المساكين.. أوووو .. المساكين .. ما المساكين البقولوا عليهم المساكين اليتامى). وطفق الأمين يصف مساكينه في قصة الشوق كما عناهم الصادق ووضع لهم هو لحنا جعل الجميع يحسون برقة حال المساكين الما يتامى.

طارق الأمين:

المبدع الفنان طارق الأمين لولم يغن وفرقته (قطر أويل المسافة طويل يللا يا دَقَدَقْ) لكفاه. وظف طارق صوت عجلات القطار على السكة حديد احسن توظيف، استل من ضجيج عجلات القطار نغمة (دَقَدَقْ) وهي صوت مرور عجلات القطار على فواصل السكة حديد والتي تتمدد على مسافات متساوية تجعل النغمة (دَقَدَقْ) كأنها إيقاع سودانوي عتيق من دلوكة، نقارة أو من نحاس. استل طارق النغمة الإيقاع ورفع عقيرته يغني بايقاع مدوزن وموزون: (يللا يا دَقَدَقْ).. فلا فرق عند طارق ان كان هو (يمشي لي) او انا (جاي ليك) لا يهم من أي بقعة في جغرافيا السودان أتى من يغني له طارق فكاقواى مثلها السقاي والتاكا لا تشبه سوى كاكا ولن يسأل احد عن هوية ابن البيبور الذي اتخذ له بيتا في دارفور، ولا ينسى أن يغشى الحصاحيصا، شندي ، الخرطوم، ام درمان، او بورتسودان طالما كانت المطية دَقَدَقْ. (الزول السوى الحاجة دي ما ظريف / ثم تاني يعني هو ذاااتو سواها كيف؟) غناها طارق عندما امتدت يد تسرق هاتفه، كلمات، رشيقة خفيفة، ومرحة، مُعبرة وهادفة وفيها رسالة وقيم واضحة غناها صالحين موبايلي!! (الزول دا زازاني أصلاً ما بخليه) لانه باع لطارق (كرتونة) باعتبار ان بداخلها (مكرونة) فإذا بها مسروقة من (طاحونة)!! كما تقول الاغنية التي تعالج الكثير من اشكالات المجتمع في البيع والشراء والسمسرة مع مشاهد تمثيلية كوميدية رائعة.

 

 

 

 

Exit mobile version