أغنية (نختلف أو نتفق).. روشتة يغنيها محمد وردي!!
(1)
لا أدري على وجه الدقة والتحديد كم هي عدد المرات التي كتبت فيها عن المبدع الراحل (سعد الدين إبراهيم).. والمؤكد بأنني كتبت عنه كثيراً جداً.. لأن معظم تفاصيل حياتي ومواقفها العظيمة ارتبطت به ارتباطاَ وثيقاَ.. لذلك تجدني حينما أحاول كتابة أي موضوع يتعلّق بالذاكرة والذكريات والحكي والمؤانسة تقفز إلى مقدمة الذهن صورة سعد الدين إبراهيم.. وبما أنني أصبحت (كبيراً) نسبياً.. ذلك يعني بالضرورة ازدحام الصور والذكريات وبعض تراكم الخبرات والعلاقات الاجتماعية والإنسانية التي اكتسبتها من خلال مشواري في العمل الصحفي.. وهذا ما جعلني أفكر جدياَ في كتابة سلسلة مقالات بعنوان (كنت قريباً منهم)، وهي مقالات سأتوقف فيها على الجانب الإنساني والاجتماعي وليس الإبداعي.. وكمثال لذلك، سأكتب عن (الهادي حامد ود الجبل) الإنسان وليس الفنان من خلال معايشتي له عن كثب.. ليس الهادي وحده.. فهنالك قائمة طويلة تضم الموسيقار محمد الأمين.. أبو عركي البخيت.. عبد القادر سالم.. حمد الريح.. عثمان حسين.. عبد الوهاب هلاوي.. عمر الشاعر.. الحاج وراق.. آمال عباس.. عادل الباز.. هيثم كابو وطلال مدثر.. والكثير الكثير من الشخصيات التي اقتربت منها بما يتيح الكتابة الدقيقة عن أصغر التفاصيل.. ولكن لو قدر لي بداية كتابة تلك السلسلة.. فلن أبدأ بغير سعد الدين إبراهيم، وسيكون هو المقال رقم واحد.
(2)
من باب التذكير.. كتب سعد الدين إبراهيم، الكثير من الأغنيات التي اشتهر بعضها مثل أغنية (أبوي) التي تغنت بها الفنانة (مني الخير) ولحنها الموسيقار الدكتور (عبد الماجد خليفة) وهذه الأغنية لحنت ليتغنى بها الفنان الشاب وقتها (يوسف الموصلي) ولكن لجنة النصوص والألحان في ذلك الزمن رأت أن موضوع الأغنية لا يتناسب بأن يؤديه صوت رجالي).. ولكن الموصلي لاحقاً تغنى لسعد الدين بأغنية (المشاعل) والتي درج البعض على تسميتها (أسألي الشوق) وهي واحدة من أعظم وأجمل ما كتب سعد الدين إبراهيم، بجانب أغنية (أمر الهوى) التي تغنى بها الجميل علي السقيد ولحنها الموسيقار الفنان (ضياء الدين ميرغني).. وقائمة سعد الدين من الأغنية الوسيمة تضم (حكاية عن حبيبتي.. العزيزة.. حصار.. دا السودان ياهو دا السودان) وغيرها من الأغنيات التي تعبر عن شاعر تقدمي ومختلف في كل تفاصيل أغنياته.. ولكن هنا أود التوقف في أغنية (نتفق أو نختلف) والتي لحنها وتغنى بها الموسيقار الراحل (محمد وردي) والذي غنى أيضاَ من كلمات سعد الدين إبراهيم بأغنية (نهر العسل) وأغنية أخرى بعنوان (لا للانفصال)، قرر محمد وردي عدم تقديمها حتى لا يؤثر على الإخوة الجنوبيين في قضية تقرير الانفصال وكان ذلك في العام 2011.. ومما يجدر ذكره أن محمد وردي كان يحب سعد الدين إبراهيم جداً ويطلق عليه لقب (سيد الشعراء). وبالمقابل، يطلق عليه سعد الدين لقب (سيد الغناء).
(3)
وما يجب أن يقال وإحقاقاً للحق .. وهي حقيقة للتاريخ ومعلومة للدنيا والزمان .. ان هذه الأغنية وصلت لمحمد وردي عبر الأخ والصديق الصحفي (هيثم كابو) وكان ذلك في ندوة عن الأغنية السودانية أقامها هيثم كابو في صحيفة عالم النجوم .. وتطرقت الندوة عن الأغنية السودانية وضرورة التجديد في المعاني من خلال أشعار وألحان بمفاهيم جديدة .. وهنا انتهز هيثم كابو الفرصة وطلب من الراحل سعد الدين إبراهيم تحديداً قراءة قصيدة (نتفق أو نختلف). فقرأ سعد الدين:
نختلف أو نتفق تقنعيني واقنعك..
نختلف أو نصطلح تسمعيني واسمعك..
المهم انو الحوار يستمر ما ينقطع
المهم انو الجدار ما يعلو أكثر ويرتفع
المهم تبقى المودة في التصافي وفي الزعل..
المهم انو الولف ما يبقى وحلان في الملل.
(4)
وكان ذلك الاستهلال كافياً لمحمد وردي بأن يطلب القصيدة من شاعرها ليلحنها ويتغني بها .. ولعل تلك القصيدة هي عبارة عن مجموعة من القيم الإنسانية وهي حصاد تجارب حياتية وإنسانية وهي عبارة عن روشتة ووصفة علاجية لكيفية إدارة الخلافات الحياتية.. ولعل الراهن الذي تعايشه بلادنا الآن في حاجة للتوقف والتأمل في أغنية (نتفق أو نختلف).. فهي تكتنز وتمتلئ بالحلول وتتجلى فيها قدرة الفنان في طرح الحلول بطريقة راقية..
قدم محمد وردي تلك الأغنية في حفل مشهود ومحضور بالمسرح القومي بعد أن وضع لها لحناً عبقرياً فيها الكثير من روح وردي التي استعاد بها ذاكرة الألحان الكبيرة ذات التنوع اللحني والثراء الايقاعي والمقدمة الموسيقية السلسة مثل ما في (جميلة ومستحيلة والسنبلاية والحزن القديم).. فما أحوجنا للتوقف ملياً في مثل هذه التجارب الإنسانية العظيمة وعدم التغافل عنها.