كلامتير
محمد علي التوم من الله
أسواقٌ رمضانيّةٌ
تتبرج الأسواق بالأواني وتنافس الجكوك الصواني، ويصبح للطاسات والأطباق البلاستيكية مكانة، وتغيب عن الأسواق كأسات وكور الطلس التقليدية القديمة التي كانت تحلى بعبارة رمضان كريم تتبرج الأسواق بالأواني وتنافس الجكوك الكبابي والصواني، وترتفع أسعار الحافظات لحاجة الناس للتبريد، وتسيطر الأواني الزجاجية وترامس الشاي والقهوة الفخيمة على مُشتريات الطبقة الوسطى، تنفصل الملاعق والكمش والمصافي والتي تؤثر أن يحتل مكانها عدد البائع الجائلين الصغار، وترفع الخلاطات أنفها وتتفلهم في غرور صارخ، لأنّ هذا موسم فرحتها وعيدها، هذا ما دعا بعض الأذكياء من تُجّار السوق الأوفياء كي يغتنموها ويستثمروها كمهنة هامشية لخلط كل الفواكه المعنية لتيسير الحال للفقراء والمساكين فيما يسمى بقدِّر ظروفك، ولا تحتاج لأن تشتري الخلاط الذي ثمنه باهظ، لكن يمكنك ان تخلط الموز على البرتقال، والمانجو بأيسر الأسعار.
أما المفارش والحصائر، فإنها قد سيطرت على الأسواق في حركة انقلابية واضحة لاحتياج العامة لها في فطور الضرا، فأنت تجدها تتمتّع في الأسواق واقفة على طولها تستند على ظهورها أو مقابلة على وجهها كأنها لاعبي كرة القدم.
وتنفرد الخضروات بمساحاتها الخاصة على الملجة فيتشتّت الباعة الفرِّيشة على الأرض، يجذبك نحوهم بريق الطماطم الوهّاج، التي تجد هذه الأيام وفرة كثيرة في الأسواق نتمنى أن تدوم حتى تطل علينا بشائر الشهر الكريم، وتُداعب الخضروات العجور والتبش، ويتعزّز العجور صاحب السُّمعة الطيبة في رمضان في سَلَطة الرُّوب في قدرته الزاهية، ومن خلفه تنام خصلٌ من الجرجير، تصحبها كثرة الري والترطيب بالماء حتى تصمد لتصل للمستهلك وهي في لباقة خضرية عالية، والجزر يسأل الليمون عن سر غلاته اليوم بالذات! فتجيبه البطاطس بابتسامة عريضة وهي تغني هذه ليلتي، ويسأل البامبي عن سرد ضخامته، وتتمطى الأسعار وتغني وتغني إنه رمضان.
ويُلوِّح رمضان بكلتا يديه من بعيد محيياً، فتزدهر أسعار الفواكه ويسأل الموز البرتقال، ويخجل القريب فروت عن الرد، يختفي اليوسفي قليلاً هذا العام، ولليوسفي مذاقٌ مميزٌ يفضله بعض الذين يعرفون أسرار تميزه، ويندهش الناس ويسألوا عن دواعي ظهور الدليب هذا الموسم في الأسواق، ويبدو أنه ضل الطريق.
أما البطيخ إن ظل على هذا الحال فسيبقى فقط للأثرياء.. وينام التفاح هادئاً أمام المانجو الذي أصبح سيد الأسواق. والناس يصطفون طلباً للحوم وما دام الطلب متزايد هل من مزيد من الأسعار؟ فيجيبهم، باعت الطعمية بضاعتنا لا تبور في الأسواق.
وتمسي المخابز في همسٍ قلقٍ، المطلوب منها السهر في شهر رمضان، لكن يبدو أن محطة الدقيق تغلق عليها الطريق، فالناس في الشهر الفضيل يُفضِّلون العصيدة والقُراصة ولا يستغنون عن الرغيف.
تزدهر الأسواق وتضطرب الجيوب وربما ينسى الناس أن بعد رمضان سيأتي العيد، ويصرفون كل ما في الجيب، ولكن بالرغم من كل ذلك في الشهر الكريم الفضيل يتنزّل بالرحمات والبركات، فهو شهرٌ عظيمٌ كريمٌ والرزق من رب العالمين فمن اغتنم فيه الفرصة فقد فاز.