سراج الدين مصطفى يكتب: محاولة لاستدعاء تأملات لا تسقط بالتقادم!!
(1)
حينما نبحث عن التجارب التي رسخت في وجدان من المستحيل أن نتجاوز فنانا وسيم الغنائية كأحمد شاويش.. وحينما نبحث أيضاً عن التجارب التي ماتت بسبب الكسل لن أجد نموذجاً غير أحمد شاويش.. والرجل جمع ذلك التناقض الغريب حتى أطلق عليه ذات يوم الراحل أميقو لقب (فنان بلا جمهور) وتلك الجملة رغم قساوتها ولكنها تؤكد على صحتها في كل يوم.. لأن أحمد شاويش الذي يطلق البعض عليه فنان الأذكياء، لأن أحمد شاويش فنان غنائيته خاصة عصية على الأذن العادية.. فهو يحتاج لأذن استثنائية لها مقدرات اكثر خصوصية، أحمد شاويش يخاطب الدواخل بصوته ويلامس شغافها بغناء فيه الكثير الذي لا يتوافر عند غيره – عطر الصندل – العمق العاشر – عادي جدا وعن عيونك كلموني.. الرجل له فلسفته في كيفية الغناء.. فهو يغني لأجل نفسه لذلك ينتقل ذلك الإحساس للآخرين.. فكانت أغنياته بمثابة وعاء أنيق لشكل غنائي سهل الهضم والتقبل.. وأغنيات مثل بتذكرك، الانسان حيالها الا ان يصغى ويتأدب.. ولكن رغم مقدرات أحمد شاويش التي يعترف بها الجميع ولكنه ظل بعيدا، ورغم انه يعمل في الإذاعة وكان يمكنها أن تكون جسره الذي يربطه بالمستمعين ولكن أحمد شاويش يقف في ذات المكان والمكانة في حالة تدعو للاستغراب والاستعجاب.. والمؤلم أن أحمد شاويش يساعد في غيابه فهو (كسول) ولا يدري عمق وحجم موهبته التي كادت أن تندثر أو اندثرت بالفعل!!
(2)
تاريخياً لم تكن الدراما السودانية ذات تأثير واضح على المجتمع السوداني، بل تركته نهباً للثقافة الدرامية الوافدة التي لا تشابه تفاصيلنا الحياتية ولا تقترب منها.. والبعد عن قضايا المجتمع من المؤكد بأنه أول إشارات الابتعاد عن قلوب ووجدان الناس أجمعين.. أصبح (الريموت كنترول) لا توقف في قناة سودانية تبث الدراما ما عدا قناة الشروق التي ظلت سنوياً تنتج الدراما عبر سلسلة (حكايات السودانية) وهي الفعل الوحيد الموجود على ساحة الدراما السودانية ما عدا ذلك لا يوجد سوى اجتهادات وشوارد متناثرة ومتباعدة.. ولكنها بالطبع لا تفي الحاجة والحوجة لدراما سودانية ذات (لون أسمر) و(عيون عسلية) ومختوم على جوازها السفر لكل الأقطار ما عدا إسرائيل..
الكتابة عن الدراما في السودان تبدو وكأنها محاولة للكتابة عن شيء خرافي.. وإذا كانت الأساطير تحكي خرافات هي الغول والعنقاء والخل الوفي.. تبقي الدراما السودانية هي رابعتهم.. دون أدنى شك أو مساورة في تكذيب هذا القول.. ومع أن الدراما السودانية موجودة ولكنها موجودة كاسم فقط يردد هنا وهناك.. وهنا يبرز السؤال الاستراتيجي ــ وهو سؤال تقليدي بالطبع ــ عما هو السبب الذي جعلها تعيش هذه الحالة من التوهان وعدم القدرة على التوازن والوجود كفعل حياتي هام .. ويبقى (سؤال الدراما) ذات نفسها من الأسئلة التي تحتاج لإجابات عميقة.. والى (مدية سنينة) تغوص في أحشائها لتقطع دابر كل شك وسؤال واستفهام!!
(3)
برعي محمد دفع الله.. اسم كبير وفنان ملتزم له وزنه ومكانته العالية، لعب دوراً عظيماً في تطوير وتأسيس واستنباط ملامح المقطوعة الموسيقية وطور قالب القصيدة وأمسك بيد جيل كامل من المطربين أمثال: عبد العزيز محمد داؤود، سيد خليفة، عثمان الشفيع، عبد الدافع عثمان، محمد الحويج وغيرهم.
تميزت شخصيته الفنية بتدفق العاطفة الرقيقة وأفكاره الموسيقية سبقت عصره.. كان يسعى دائماً إلى احترام فكر المستمع من حيث قيمة العمل ومضمونه.. لا يحب أن يقدم عملاً لا يضيف إلى رصيده الفني لأنه وعلى مستوى سنوات طويلة قدم أكثر من 350 عملاً غنائياً وموسيقياً كلها وبدون استثناء تركت بصماتها على وجدان الجماهير ومازالت تعيش بيننا الآن.
قال عنه البروفيسور الفاتح الطاهر (احببته واحترمته وصادقته واستمع دائماً إلى نصائحه واعتبره في الأساس رمزاً لي.. يعجبني فيه كبرياؤه الفني الشخصي وهما نابعان بلا جدال من كبريائه الأسرى.. فقد عاش حياة متوازنة وناجحة بين الفن وحياته الخاصة كزوج وأب يعرف قدر نفسه ويدرك تماماً أين ومتى يتكلم وأين يصمت وهو فنان يصون بوعي واحترام تاريخه وأخلاقه وفنه ويسطر بوعي على دفة مسيرته.