آراء متباينة لخبراء اقتصاد حول أرقام موازنة 2023م
الخرطوم- جمعة عبد الله
تباينت آراء خبراء اقتصاديين حول الأرقام التي ذكرها وزير المالية جبريل إبراهيم، عقب إجازة الموازنة بمجلس الوزراء، التي قال إنها اهتمت بصورة أساسية بالرعاية الاجتماعية، تحسين معاش الناس، الصرف على التعليم، الصحة والمياه بصورة، وأكد أن جملة الإيرادات في الموازنة قد بلغت 7 ترليون و363 مليار جنيه، فيما بلغ الإنفاق العام 8 ترليون و196 مليار جنيه، بنسبة عجز بلغ 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الموازنة اعتمدت على الموارد الذاتية، مع وجود دعم خارجي قليل من البنك الإسلامي للتنمية، كما تسعى المالية لزيادة الموارد من خلال التوسع في المظلة الضريبية بدلاً عن زيادة الضرائب بجانب العمل على ضبط المصروفات، وتخصيص 722 مليار جنيه، للتنمية إضافة للرعاية الاجتماعية بزيادة عدد الأسر المدعومة نحو 100 ألف أسرة، وخلق 90 ألف وظيفة في القطاعين العام والخاص، ويبلغ الإنفاق على الصحة 14.7% فيما بلغ الإنفاق على التعليم 10.7% من المالية الاتحادية يضاف إليه إنفاق الولايات ليصل إلى 20% من الموازنة، مع السعي ليصل الإنفاق على التعليم والصحة إلى 40% من الموازنة، واستقطاب الشراكات والمستثمرين للاستثمار في البُنى التحتية في الكهرباء والطرق، السكك الحديدية والموانئ والمطارات.
موازنة بلا جديد
يقول الباحث الاقتصادي د. هيثم فتحي، إن الحديث عن الموازنة العامة لا جديد فيه للانتقال لمرحلة جديدة أو بشريات للاقتصاد الوطني، وقال تغيَّب الحديث عن التنمية الاقتصادية وعن فرص التصنيع وتشجيع التصدير بجانب التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني سواءً أكانت تحديات داخلية أو خارجية، لافتاً إلى وجود صدمات وأزمات كبيرة يعاني منها الاقتصاد العالمي، منوِّهاً إلى أن الموازنة لم تتحدث عن تحقيق فائض أو عجز في الناتج المحلي الإجمالي ولم تتحدث عن معدَّلات الدين وعجز الموازنة بجانب إغفال النمو ونسبته وما هي نسب المستهدفات الاقتصادية وتلبية الاحتياجات التنموية وخفض معدلات البطالة والفقر، وبحسب تقديراته الموازنة ناقصة إن لم تراعي تلك التحديات، مشيراً إلى أن حديث وزير المالية ذكر ارتفاع في نسب معينة بالنسبة للتعليم والصحة، وقال نوعاً ما، مقبولة، وذكر زيادة نسب الإنتاج لكن د. هيثم تساءل ما هي القرارات المصاحبة للموازنة لتعمل على زيادة الإنتاج، ويعتقد أن زيادة المظلة الضريبية أو توسيعها، موضحاً أن حديث الوزير حول توسعتها أفقياً وليس في زيادة الضرائب، وقال: كنت أتمنى أن تناقش موازنة العام السابق لمعرفة المقارنة العام الجاري بما أنها جاءت متأخرة، ونوَّه إلى أن المواطن لم يعد يحتمل الزيادات، ويرى من الضروري أن يجري العمل في توسعة المظلة الضريبية بمنع التهرب الضريبي وتحسين كفاءت التحصيل وضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي بتطبيق منظومة التحصيل أو ميكنة ديوان الضرائب للتصدي للتهرب الضريبي، وشدَّد على ضرورة توسيع قاعدة الممولين، ومكافحة التهريب والسيطرة على المجتمع الضريبي وتحصيل المتأخرات الضريبية، معيباً عدم وجود محاور للاستثمار أو إضافة لصناعات جديدة أو وضع قوانين محفزة لجذب الاستثمار.
ولفت إلى عدم التطرُّق في الموازنة حول نسبة التضخم المتوقع خفضه، ويعتبر أن منح البنك الإسلامي للتنمية من القروض الصغيرة جداً ولا تذكر في موازنة دولة لأنها أرقام قليلة ومعلوم مسبقاً لها مشروعات تصرف لها، واستبعد د.هيثم أن يحدث تغيير في الوضع الاقتصادي، معرباً عن أمله أن تقدم الحكومة موازنة حقيقية واقعية تعكس رؤية اقتصادية باستصحاب مشاركة القطاع الخاص في إعداد الموازنة، وتساءل ما هي نسب الإصلاحات الاقتصادية التي وصلت إليها الحكومة وأين وصلت؟ ونوَّه لغياب الهيئات الاقتصادية التابعة للدولة ودورها في دعم الموازنة وفي خروج الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة.
أهم مشروعات الموازنة
أما المحلِّل الاقتصادي د. وائل فهمي، قال: لا يمكن الحكم على الموازنة العامة المجازة مبدئياً من مجلس الوزراء حسب ما رشح من أخبار، وتابع: سيكون التعليقات هنا، مجرَّد تكهنات مبنية على هذه الأخبار لا أكثر، ولفت إلى أنه وبغض النظر عن أهداف الموازنة المبدئية المعلنة والتي تشير إلى انحيازها لمعاش المواطنيين والتعليم والصحة ومياه الشرب، والاعتماد على الموارد الذاتية، والدعم الخارجي القليل المتمثل في مشروعات يقدمها بنك التنمية الإسلامي، فهناك مؤشرات مهمة يمكن مبدئياً التعليق عليها، وقال د. وائل: فمن المؤشرات المذكورة التي أفاد بها وزير المالية، نقطتين مهمتين: الأولى هو زيادة عدد الأسر التي ستدعمها الموازنة العامة للعام 2023 إلى 100 ألف أسرة إلى جانب عدد الأسر التي يدعمها ديوان الزكاة، وتوفير 90 ألف فرصة عمل، في ظل اقتصاد ما زال منكمشاً، ويتوقع سيظل منكمشا خلال العام 2023 في ظل تواصل معطيات العام القادم من توقف التمويل الخارجي ومهدِّدات إلغاء برنامج إعفاء الديون الخارجية، وغياب حكومة مدنية ديموقراطية وغياب المجلس التشريعي، واستمرار مستويات الأسعار في الارتفاع، واستمرار تدهور سعر صرف الجنيه السوداني واستمرار العجز بالحساب الجاري بميزان المدفوعات، وعدم تعديل هيكل توزيع القوة الشرائية الذي إنحاز لمصلحة الأغنياء.
مواجهة التدهور
وقال د. وائل: أما المؤشر الثاني المهم وهو نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي، متوقعا انكماشه في ظل استمرار نسبة الإنفاق العام على قطاعات الدفاع والأمن والسيادي ومجلس الوزراء والخارجية في ظل الحصار الحالي والذي تم تقديره بحوالي 67% خلال السنوات الماضية وذلك بنسبة 1.4% فإنه يعني مزيداً من الضرائب غير المباشرة، وألمح بأنها في شكل قروض (ضرائب مستقبلية ولو على حساب الأجيال القادمة لسدادها) أو طباعة النقود بما يقلِّل من حجم الاستهلاك الكلي وربما جزئياً الاستثمار الخاص مع الضعف الشديد المخصص للتنمية، والمعلن عنها بحوالي 722 مليار جنيه، فقط، في مواجهة التدهور المريع لقطاعات الاقتصاد.
ومضى قائلاً: إن استمرار الارتفاع في مستويات الأسعار حتى عند 26% بنهاية 2032، ستستمر في الواقع إعادة توزيع الدخل القومي لغير صالح المستوى العام لمعيشة الناس في ظل استمرار تفاقم أزمة الاقتصاد السوداني بجانب استمرار تدهور أسعار الصرف التي تعتمد عليها حوالي 80% من سلة المستهلك، وأردف: بما ينعكس سلباً على عجز الموازنة المستهدف -حالياً- كما حدث بالموازنات العامة السابقة لها والتي تم تغطيتها فعلياً بطباعة النقود وتخفيض سعر الصرف وزيادة معدَّلات الضرائب ورفع الدعم وزيادة الرسوم للخدمات، وهذا بغض النظر عن هدف الزيادة الأفقية لقاعدة المكلفين بدفع الضرائب وانعكاس ذلك على العجز بالحساب الجاري بميزان المدفوعات.
مؤشرات إيجابية
بينما يرى المحلِّل الاقتصادي د. الفاتح عثمان، إن موازنة العام 2023 تحمل مؤشرات إيجابية تتفق مع شروط صندوق النقد الدولي لإعفاء الديون الخارجية، حيث تم تخصيص أكثر من ثلث الموازنة للتعليم والصحة وتخصيص 10% للتنمية، قائلاً: هذه بشارة جيِّدة ومعظمها سيتوجه نحو إصلاح الطرق وتحسين شبكات المياه في العاصمة والأقاليم، وأشار لعدم الإفصاح حتى الآن عن مصير دعم الكهرباء ومياه الشرب وغاز الطهي، منوِّهاً إلى أنه في العام الماضي بلغ حجم الدعم نحو مليار ونصف المليار دولار، معظمه للكهرباء، واصفاً الموازنة الجديدة بالضخمة في أرقامها مقارنة بموازنات ما بعد الثورة إذ تبلغ نحو “14” مليار دولار، بعجز يصل إلى “1.4” مليار دولار، وهو عجز يبلغ 10% من حجم الموازنة، ويعتبر أنه عجز معقول قد يساعد على تحقيق خطة الموازنة في تخفيض التضخم إلى 25%.