تقرير: نجدة بشارة
للمرّة الثانية، أظهرت “الجبهة الثورية” ذات المَوَاقِف المُتَعنِّتة والرّافضة لقبول (الإعلان الدستوري) مثلما سبق وأعلنت رفضها لوثيقة (الإعلان السِّياسي)، ولعلّ أسباب رَفضها بَدَت مُختلفةً، إلا أنّ الظاهر للعيان أنّ هُنالك عراقيل جديدة وامتحاناً قد تضطر قِوى الحُرية والتّغيير الخُضوع له مُكرهةً أو طَائعةً قبل 17 أغسطس موعد “التوقيع النهائي” للاتّفاق.
وفي الأُفق لاحت عِدّة تساؤلات عن أسباب استمرار تَعنُّت الحركات المُسَلّحة، ورفضها المُتكرِّر للاتّفاق رغم تهيئة الفُرص للشّراكة؟ خَاصّةً وأنّ بُشريات كَانت قد خَرجت باكراً من قاعات اجتماعات أديس أبابا تُعلن عن اتّفاق الجبهة الثورية وقِوى الحُرية والتّغيير، وأزَالَت الضّبابية العَالقة بينهما، وأنتجت رؤية شاملة اتّفق عليها مُكوِّنات (قحت) كافة، بما فيها الثورية نفسها، وتَعهّدت قِوى التّغيير بتضمينها بالكامل في الاتّفاق السِّياسي والإعلان الدستوري.
دواعي الرفض
ومع ذلك عادت “الجبهة الثورية” إلى (سنتها القديمة المُتَجَدِّدة) ورجعت الى مربع المُمانعة والرفض، ومُؤخّراً عَبّرت عن رفضها قُبُول الوثيقة الدستورية في شكلها الراهن، وعَلّلَت بأنّها لم تدرج رؤية السلام في الوثيقتين وتجاوزت مبادئ محورية تخص السلام، بل وضعت عراقيل أمام تنفيذ أيِّ اتفاق سلام قادم بتحديد سقفه بمنطوق الوثيقة الدستورية نفسها.
وأشارت في بيان لها إلى أنّ في عُرف اتّفاقيات السَّلام “أن يتم تعديل الدساتير لاستيعاب نُصُوص اتّفاق السَّلام”، وأردف: لكن تم تضمين فقرة (المادة 69) تمنع تعديل الإعلان الدستوري إلاّ وفقاً لتدابير شائكة ومُعَقّدة واعتبرها عقبات ستحول دُون الوصول الى السلام.
وقال البيان، إنّ رؤية السلام من قِبل “الجبهة” جُوبهت باعتراضٍ من أغلب مُمثلي قِوى الحُرية والتّغيير، واتّهمت المُعترِضِينَ بعرقلة إدراج رؤية السَّلام في الوثيقة الدّستورية، مُوَضِّحين بأنّهم سيتواصلون مع الوساطة الأفريقية والمجلس العسكري وحلفائها في القوى السِّياسيَّة لتعديل الوثيقة الدستورية والاتفاق السِّياسي بتضمين قضايا السلام.
تَجَاوُزات الوثيقة
وذهب قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي في ذات الاتّجاه، وأعلن لاحقاً بأنّ وثيقة الإعلان الدستوري التي وقّعها المجلس العسكري و(قحت) بها تجاوُزات، تمثلت في رفض السلام بشكلٍ قاطعٍ، وأضاف في تغريدة: “الجبهة الثورية تقدّمت بمشروع للخروج من الخلل البنيوي السوداني التاريخي ليُؤسِّس للسَّلام، لكنه خذل دون توضيح”.
ثم انتقد قائد العدل والمساواة جبريل إبراهيم “الاتفاق”، وقال إنّه أعطى إجازة مفتوحة للسلام، وإنه لن يحقق الاستقرار في السودان، واتّهم قِوى التّغيير بإهمال السلام، وقال إنّ الاتفاق حُذف منه اسم “الجبهة الثورية” ووضع مُسمّى الحركات المُسلّحة مِمّا يعني خُرُوج عددٍ كبيرٍ من القِوى غير المُسلّحة داخل الجبهة من بينها تنظيمات مِن شرق السُّودان، وحركات “كوش” والحزب الاتحادي الديمقراطي، وأردف: هنالك قضايا محورية في وثيقة الجبهة الثورية لم تجد طريقها إلى الوثيقة الدستورية بعد.
نُذُر مُوَاجَهة
وفي الأفق تلوح نُذُر مُواجهة بين مُكوِّنات الثورية، ظَهَرَت ببعض المَواقف التي تُشير إلى مُواجهاتٍ مكتومةٍ داخلها، حينما دَحَضَ القيادي بالجبهة الثورية التوم هجو مزاعم شركائه وحديثهم عن إقصاء ممثل الجبهة الثورية في جلسة التفاوُض بين قوى الحرية والمجلس العسكري، بينما أشار في ذات الوقت الى وجود نواقص في وثيقة الجبهة الثورية سيعملون على إدراجها بالوثيقة الدستورية قبل الوصول الى التوقيع النهائي، بالمُقابل أكدت قوى الحرية والتغيير عن تضمينها لرؤية الجبهة الثورية (بالوثيقة الدستورية) التي تمّ التوقيع عليها مع المجلس العسكري.. وأوضح القيادي بـ”التغيير أحمد ربيع لاحقاً: إنه قد تم تخصيص فصلٍ كاملٍ تحت مُسمّى ترتيبات السلام، وأوضح بأنهم يعملون الآن لإشراك جميع الحركات المُسلّحة في تأسيس الدولة المدنية خَاصّةً وإنّ الوثيقة قَرّرت أن تكون فترة الأشهر الستة الأولى للانتقالي لقضايا السلام.
أجندة غير معلنة
المُحلِّل السِّياسي د. صلاح الدومة صَبّ النار على الزيت وقال لـ(الصيحة) إن مواقف “الجبهة الثورية” المُتعنِّتة قد تفسّر لخضوعها لجهات لم يُسمِّها تملي عليهم القرارات، وأردف: ولربما تكون أجندتهم المُعلنة غير حقيقية في أشارة للمُحاصصة، لأنّ الاتفاق قد لا يحقق لهم ما يصبو إليه من مناصب، وهو الشيء الذي سبق وألمح به مني أركو مناوي في حديث عرضي سابق، ويرى أنّ الجبهة الثورية يحق لها الرفض ولم يُشكِّل رفضها عراقيل لإكمال تكوين حكومة الانتقالية، ولربما جاء الرفض لصالحها لتفاوُض الحكومة المُزمع تكوينها بصورةٍ رسميةٍ، وربط ذلك بموقف عبد العزيز الحلو الذي رفض التّفاوُض مع مُكوِّن الجبهة الثورية بذريعة التفاوض المُباشر مُستقبلاً مع الحكومة الانتقالية.
دعوة للمُــــراجعة
واعتبر الناطق باسم حركة العدل والمساواة جناح (دبجو) أحمد عبد المجيد أنّ الرفض منطقي باعتبار أنّها تمس قضايا جوهرية، وقال لـ(الصيحة) إنّ السودان الآن دخل مرحلة تتطلّب معها تمييز قضايا الهَامش مثلما يعطي نصيباً للوسط وذلك ما يدعو للمُعالجة وفقاً لحجم الضرر، ونَفَى أن تكون هنالك نوايا للمحاصصة بقدر ما قد يُفسّر بالدعوة للمُراجعة وتضمين ما أسقط من ملفٍ للسَّلام بالوثيقة لتكون الوثيقة شاملةً ولا تستثني أيِّ طرفٍ، فيما تحدث المُحَلِّل السِّياسي والمُراقب للعملية السَّلمية بدارفور د. عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة)، قائلاً إن الحكومة الانتقالية المُرتقبة يجب أن تكون ذات مُكوِّن شعبي مُناهضٍ للشمولية، وبالتالي التمهيد للعملية الديمقراطية حتى أدنى مُستويات الفيدرالية، ويرى أنّ مُشاركة الجبهة الثورية ضرورية في إطار العمليّة (السَّلمية) فقط وليس في إطار وضع الأُسس للحكومة الانتقالية، وقال إنّ هُنالك مُقترحاً سابقاً بأن تكون فترة الأشهر الستة الأولى بالانتقالي لمُعالجة قضايا السلام في السودان، بحيث أنّ القِوى المقاتلة تكون جُزءاً من العمل المَدني مُستقبلاً، وأردف بأنّ الدعوة تُفسّر في سياق كيف تَتَحَوّل هذه الحركات إلى عملٍ مدني في إطار بناء الدولة وركائز السَّلام بالتّعاون مع كل المُكوِّنات في الحكومة الانتقالية ليتجاوز بذلك السُّودان حَالات العُنف للأبد.