شاعرٌ صاحب مفردة خاصة
عوض أحمد خليفة.. شاعر صاحب مفردة خاصة جداً.. مفردة مترعة بالجمال والعاطفة الدافقة.. كل أغنياته التي كتبها تُعبِّر تعبيراً دقيقاً عن شاعر سلك طريقاً مختلفاً عن حال السائد من اللغة الشعرية الغنائية.. وبالتأمل في أغنيات مثل (ناكر الهوى).. (دنيا المحبة).. (عشرة الأيام) يجد نفسه أمام شاعر يرسم ولا يكتب.. فهو بارعٌ جداً في تصوير حالته الشعرية من خلال حشدها بالتعابير السهلة ولكنها في ذات الوقت عميقة ومُتجذِّرة في الأرض.. لذلك يظل الشاعر اللواء (عوض أحمد خليفة) واحداً من أنضج الذين كتبوا الشعر الغنائي.. فهو رغم أنه لم يسلك درب الحداثة الممعنة في الرمز ولكنه اختار مفردة جزلة فيها الكثير من البراعة والتمكن.. وليس أدل من ذلك حينما نعاين لأغنية شاهقة مثل (عشرة الأيام).. فهي كانت عبارة عن حالة وجدانية خاصّة بشاعرنا الجميل ولكنه منحها خاصية الشيوع والافتضاح.. وكما يقال إنّ للعطر افتضاحاً.
صرخة ميلاده
انطلقت صرخة ميلاد العوض وداعة الله العام 1931 في شارع الفيل بالموردة.. وكانت أم درمان آنذاك تعيش أجواء ما بعد ثورة 1924 وأصداء مؤتمر الخريجين كانت مضغة في رحم الغيب.. درس الخلوة والكُتّاب والابتدائية، والوسطى بأم درمان، ثم الأحفاد الثانوية. اجتاز شهادة كامبردج والتحق بكلية غردون لمدة عام في كلية الآداب عام 1949م.. وفي فبراير 1950م، التحق بالكلية الحربية ضمن مجندي الدفعة الثالثة، وكان الأول على هذه الدفعة التي تخرجت في فبراير 1952.. تدرّج العوض في رتب القوات المسلحة إلى أن وصل رتبة يوزباشي (نقيب)، بعد أن خدم في وحدات: الهجانة كردفان، سلاح الإشارة أم درمان، والجنوبية جوبا. ثم فصل من الجيش السوداني لأسباب سياسية تتعلّق بالحركة التي أُعدم فيها عبد الرحمن كبيدة وعلي حامد وعبد البديع علي كرار.
المعاني والصور البديعة
ويقول اللواء إبراهيم الرشيد عنه (شاعر متقن ومجدد ورقيقٌ، طوع الكلمة وسكب فيها من عاطفته ما جعلها تنبض بالمعاني الزاخرة والصور الرائعة البديعة.. له دور كبير في إثراء مسيرة الشعر الغنائي بأروع الكلمات وأجمل القصائد التي خلدت في وجدان الشعب السوداني.. كتب الشعر منذ نعومة أظافره وكانت أشعاره متميزة بما حوته من معانٍ وقيم، إلى جانب تلك الرومانسية الفائقة الناطقة عبر الحروف المنمّقة التي يتجلى فيها صدق العاطفة ورهافة الأحاسيس والمشاعر، تربع بلا منازع في قلوب العشاق وحلق بالأرواح في سماوات العشق والغرام وأصبحت قصائده رقماً لا يُستهان به في مسيرة الشعر الغنائي بالسودان، وقد أثرى المكتبة الغنائية بالنفائس والدُّرر الخالدات.
مثقفٌ موسوعي
الأستاذ الباحث محمد الشيخ قال للحوش الوسيع (مثقف موسوعي)، هي الصفة الملازمة للشاعر القادم من حقول شتى اللواء عوض أحمد خليفة، غير أن اللواء عوض لا يقتصر مشروعه الثقافي على الشعر وحده، والمؤكد أنه يهتم بكافة عمليات وإجراءات بث الوعي في الحياة المعاصرة، ولا يتورّع في إعلان مشروعه الثقافي المتفرد في الأدب والسياسة والحياة، داعياً على مدى نصف قرن من الزمان إلى ضرورة قراءة الشأن الثقافي قراءة موضوعية تربط بين مرجعه الداخلي ومراجعه الخارجية، ويرفض في انضباط عسكري صارم من يسعون إلى حياد سياسي زائف، ولا يريدون اتخاذ موقف مما يدور حولهم. لعلها تجليات العوض وداعة الله أحمد خليفة الذي بدا لي أنه يشتغل على مشروع ثقافي مركب خارج إطار النظريات السائدة، ففي الوقت الذي يكتب فيه قصيدة بحجم (عشرة الأيام) تراه منهمكاً في أطروحة أكاديمية لنيل الدبلوم العالي في اقتصاديات التعاون المركزية.