7 فبراير 2023
وما معناها؟..
معناها الفصيح – هذه الكلمة – لا علاقة له بالمعنى المتداول لدينا في بلادنا..
ففي الفصحى تعني الذي يقرضم كل شيء؛ أي يأخذه..
أما في عاميتنا السودانية فتعني الكِبْر… الخيلاء… العنطزة… التّعالِي على النّاس..
وقديماً كان بمنطقتنا سائق بصٍ سفري لقبه قرضمة..
وفي الحقيقة فإنّ الناس هم الذين قرضموه؛ بمثلما يبجِّلون كل من يجوب الصحارى..
فهم كانوا أشبه برُوّاد الفضاء في أعينهم..
فالذي يتدرّج من مساعد سواق إلى سائق بصٍ – أو لوري – فهو شخصية عظيمة..
ولا يفوقه عظمةً إلا العمدة..
ولم أر واحداً منهم مُتواضعاً – أواخر عهد عظمتهم – إلّا عز الدين المُلَقّب بجنوبي..
رغم أنّه كان أسرعهم وصولاً؛ وأحسنهم قيادةً..
أما على الصعيد السياسي فلم تعرف بلادنا ثقافة القرضمة هذه منذ الاستقلال..
فلا عبود كان متقرضماً… ولا أزهري… ولا عبد الله خليل..
ولا الهندي… ولا المحجوب… ولا زروق… ولا طلعت فريد… ولا حسن بشير..
بل ولا زعماء الختمية… ولا الأنصار..
ولا جماعة انقلاب مايو؛ بدءاً من نميري وحتى أصغر ضابط في مجلسهم العسكري..
كانوا قِمّةً في التواضع؛ ولا يعرفون القرضمة..
وذلك بغض النظر عن الموقف السياسي تجاههم بحسبانهم من أنصار الشمولية..
والصادق المهدي كان رمزاً – ومثالاً – للتواضع..
وتواضعه هذا عايشته بنفسي – عن قُرب – حين تشرّفت بالعمل معه مستشاراً..
وما زلت أذكر ليلةً لا أنساها..
فقد كان دعاني لحضور اجتماعٍ مع الأصم قبيل اختياره رئيساً لمفوضية الانتخابات..
وقلت رأيي بصراحة في ذاك اللقاء..
ولم يعجب رأيي ذاك الإمام؛ بيد أنه لم يغضب… ولم يتضايق… ولم يتقرضم..
ثم ودعته وانصرفت هابطاً الدرج..
وسُرعان ما سمعته يناديني فرجعت إليه؛ فوجدته واقفاً على السطح أمام المضيفة..
فكان منظره مهيباً؛ والقمر من خلفه..
وبدا لي – في تلكم اللحظة – وكأنّه الإمام المهدي الكبير نفسه؛ مَهَابَةً وتواضعاً..
وأهل الإنقاذ كثيرون منهم لم يكونوا متقرضمين..
ولكن الذي تقرضم منهم – عقب التمكين – كانت قرضمته مستفزة لمشاعر الناس..
رغم أنها قرضمة لا تناسب ما كانوا عليه قبل الانقلاب..
ثم انحاز المتقرضمون هؤلاء جميعهم لمعسكر القصر إثر المفاصلة الشهيرة..
وخلا معسكر المنشية من متقرضمٍ واحد..
فشكّلوا بذلك أول ظاهرة قرضمة – وفلهمة – في تاريخنا السياسي المعاصر..
وعند زوال نظامهم تيقّنا من زوال هذه الظاهرة أيضاً..
فهي – حسب ظننا – ظاهرة عارضة؛ لم يألفها السُّودانيون من قبل في ساستهم..
ولكن سُرعان ما خاب ظننا هذا..
فقد ظهرت في دنيانا قرضمة أشد سخفاً من قرضمة منسوبي الإنقاذ هؤلاء..
قرضمة من تلقاء رموز قحت..
وتحديداً الذين أطلقوا على كيانهم – فيما بعد – اسم المجلس المركزي لقحت..
وصارت قرضمتهم مُوجّهة صوب الجميع..
نحو العسكر… والشعب… والصحافة… وحركات سلام جوبا… وحتى الثوار أنفسهم..
فحين ذهب الثوار هؤلاء لمقابلة حمدوك قيل لهم إنه مشغولٌ..
ثم مُورس ضدهم أسلوب قفل الجسور؛ وتفريق جمعهم بقنابل الغاز المسيلة للدموع..
وتم إهمال جرحاهم… ومفقوديهم… وحتى موتاهم بالمشارح..
وارتفعت الأصابع المعقوفة بتحذيرٍ عنجهي… والحناجر المشروخة بتخوين طفوليٍ..
واحتكروا لأنفسهم صكوك الوطنية… والثورية..
فباتوا يُلوِّحون بها في وجوه الآخرين وفقاً لأمزجتهم؛ فَامتَزَجَ الحَابِل بالنَّابِل..
وكدليلٍ على ذلك وصمهم لمبارك الفاضل بأنّه من الفلول..
بينما مساعده الذي كان قد انشق معه عن حزب الأمة هو ثوري من الطراز الأول..
هو كذلك رغم أنه كان وزيراً إنقاذياً..
وأضحى الباشا هذا نفسه يُشارك في توزيع الصكوك هذه؛ إلى جانب كمال عمر..
فكمال عمر ثوري؛ وحاشاه أن يكون فلولاً..
بينما صفة فلول يُمكن أن تشمل من عارض الإنقاذ بالسلاح؛ أو عارضها بالقلم..
وقلمي هذا أشهره سلاحاً في وُجُوهِ مَن لا يصلحون لأيِّ شيءٍ..
لا يصلحون حتى لإدارة مدرسة ابتدائية؛ دعك من دولةٍ بمثل مشاكل السُّودان..
فلا يُمكن أن تكون فَاشِلاً… وَسَاذِجَاً… وَجَاهِلاً..
ثُمّ مُتقرضمَاً!.