الإضرابات المستمرة.. مفارقات بين طلاب التعليم الحكومي والخاص

الإضرابات المستمرة.. مفارقات بين طلاب التعليم الحكومي والخاص

تقرير: آية من الله

تخبط في التعليم بولاية الخرطوم ففي الوقت الذي يمتحن فيه طلاب المرحلة الابتدائية بالمدارس الخاصة الامتحانات النصفية، أعلنت وزارة التربية تأجيلها للمدارس الحكومية التي تشكو الأمرَّين إضراب المعلمين وتذبذب العام الدراسي مما عده خبراء تربويون عدم توازن في العملية الدراسية ما بين القطاع العام والقطاع الخاص.

حيث أعلنت لجنة التعليم الخاص أنها لن تلتفت لدواعي الإضراب وستمضي بالدارسة إلى نهاياتها، ولقد أقر وزير التربية والتعليم السابق محمد الأمين التوم لـ(الصيحة) بأن هنالك تأثير على طالب التعليم الحكومي نتيجة للإضرابات في الوقت الذي يمضي فيه طالب التعليم الخاص في دراسته.

تأثير سالب

من جهته، قال عاطف الشيخ، خبير تعليمي ومدير التعليم السابق بمحلية بحري لـ (الصيحة): تمتد هذه الأيام موجة من الإضرابات في قطاع التعليم الحكومي، فقد نفذ آلاف من المعلمين إضراباً عن العمل في الأيام السابقة لضعف الأجور والمرتبات، ما أدى إلى إغلاق المدارس، وقد أثر ذلك سلباً على العملية التعليمية وعلى الطالب وأسرته بصورة كبيرة في عدم اكتمال المقررات بصورة سليمة والضغط الزائد على الطالب عندما يحاول المعلم إكمال المقرر في فترة قصيرة، وكذلك تأثير مجتمعي. فالإيقاف يساعد التلاميذ على البطالة ومناحٍ أخرى لا يحمد عقاباها بسبب الفراغ ويؤثر ذلك أكاديمياً في نسيان ما درسوه من مقررات وضياع كثير من الوقت ناهيك عن الجانب النفسي والإحباط المعنوي وهم يرون رفاقهم في المدارس الخاصة قد عبروا إلى مراحل أخرى وهم لا يستطيعون الالتحاق بها بسبب ضعف الأحوال المادية لأسرهم.

ضرر

أستاذة نجاة، معلمة في إحدى المدارس الحكومية تحدثت لـ(الصيحة) قائلة: تضرر التعليم الحكومي بالإضرابات كثيراً بالأخص طالب المدرسة الحكومية فهناك مفارقة كبيرة في المناهج بين طالب الخاص والحكومي وذلك نتيجة الإجازات المستمرة، وقد يؤثر ذلك على نسبة استيعاب الطالب ونسبة تحصيله العام، ومن المعلوم أن الطالب في سن التمدرس يحتاج إلى مواصلة الدراسة دون انقطاع حتى لا ينسى المعلومات ويحتاج- أيضاً- إلى تكرار المعلومات عدة مرات، وفي حالات الإضراب يحاول المعلمون تغطية المنهج بأي صورة حتى لا يتخلف المعلم عن الخطة التي وضعتها له الوزارة.

وأضافت: أصبح طلاب الحكومي الأن يقبلون على التعليم الخاص ولكن هناك بعض أولياء الأمور الذين لا يستطيعون إلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص، وهنا تكون المفارقة كبيرة في إحساس طالب المدارس الحكومية بالمفارقة المجتمعية، وقد يكون ذلك التأثير سلبي على مستوى الطالب وبعض الطلاب من الأسر البسيطة تركوا المدرسة وبدأوا بالعمل في الأسواق والأعمال البسيطة.

وقالت: نرجو من الحكومات أن تلبِّي مطالب المعلمين حتى يستقر العام الدراسي.

انخفاض نسبة الذكاء

فيما قالت مواهب صلاح، معلمة بمدرسة كرري العجيجة الابتدائية الحكومية لـ (الصيحة): واجهتنا حالات كثيرة لأولياء أمور توجهوا إلى التعليم الخاص بسبب الإضرابات، متعللين بأن كثرة الإجازات أثرت على مستوى أبنائهم الطلاب وأنهم يريدون أن يحقق أطفالهم تحصيل عالٍ في امتحانات الشهادة، ولكن مع حالة الإضرابات أصبح أبناءهم كسولين جداً وأصبحوا يميلون إلى اللعب مع كثرة أوقات الفراغ عندهم. وأضافت قائلة: أصبح مستوى طالب التعليم الخاص أفضل من مستوى طالب التعليم الحكومي وذلك ليس بسبب الإضراب الحالي فقط، فالإضرابات في السنين السابقة لازالت لها تأثير على بعض الطلاب الذين لم يتحصلوا على معلومات كاملة وفاتتهم الكثير من الدروس المهمة والتي تساهم في تأسيس الطالب في المواد الأساسية (اللغة العربية – اللغة الإنجليزية – الرياضات) وزادت بقولها: هناك  تأثير آخر في بعض الدروس المرتبطة بالسنين القادمة والتي يجب -أيضاً- على المعلم أن يرجع إليها.

وتحدثت عن امتحان الصف السادس قائلة: تأثير الإضراب على الطلاب الجالسين لامتحان الشهادة أكبر، ففي المدارس الخاصة أكملت معظم المدارس الخاصة المقرر وبدأت بالإعادة مرة أخرى، أما في الحكومية فيواجهون مشكلة في إكمال المقرر لذلك أصبحت بعض المدارس تستغنى عن حصص التقوية والإعادات، لأن الزمن ضيِّق وغير كافٍ والامتحان شاملة للمقرر ويؤثر ذلك تأثيراً كبيراً على طالب التعليم الحكومي وقد يسبب له ضغوطات نفسية. ثم أكملت حديثها قائلة: بعض المدارس تتوجه إلى حلول مثل عمل المعسكرات والحصص الصباحية، ولكن ذلك غير كافٍ وكثرة الحصص والمعلومات والمواد قد تؤثر -أيضاً- على حفظ الطالب للمعلومة، فالطالب لديه جرعات معيَّنة من المعلومات يجب أن يتناولها في اليوم والكتاب الذي يدرس في عام مقسَّم على فصلين دراسيين يضطر الأن لدراسته في فترة قصيرة جداً ولذلك هنالك تأثير كبير على مستواه الأكاديمي، فمعظم الطلاب المتفوقين الأن قد تأثرت مستوياتهم بشدة لدرجة أن بعض الأهالي يشتكون من أن نسبة ذكاء أبنائهم قد قلت على مدار الثلاث سنين السابقة.

تأثير سابق

أستاذة آمنة، معلمة بمدرسة الحارة 53 الحكومية الثانوية بنات قالت لـ (الصيحة): الإضراب في هذا العام لم يؤثر بصورة كبيرة، لأنه جاء مع بداية الامتحان، وفي هذه الفترة كان المعلم متقيِّد بخطة الوزارة، وهنا كحل قدَّمت الحكومة إجازة الفترة الأولى قبل الامتحانات وذلك باعتبار أن فترة الإضراب لن تزيد فترته عن الأسبوعين وتقرر أن تكون الامتحانات بعد الإجازة فكانت  هنالك موازنة في المنهج بين طالب الحكومي والخاص، ولكن الفترة القادمة هي التي ستحدد مصير الطالب وإذا توقف الإضراب فلن تكون الفجوة كبيرة، ولكن إذا تواصل فستحدث فجوة كبيرة لطالب الحكومي من الناحية التعليمية والنفسية، أما طلاب الشهادة السودانية فقد تأثروا بصورة كبيرة منذ بداية الإضرابات في السنين السابقة بسبب دروس مهمة لم يتلقوها من الصفوف السابقة مرتبطة بهذا العام وآثر ذلك على مستوياتهم وتحصيلهم الأكاديمي بصورة كبيرة.

واصلت الأستاذة آمنة حديثها قائلة: هناك -أيضاً- تأثر سلبي كبير جداً على الطالب وذلك من خلال تسرُّب الطلاب في المدارس، فقد يكون الإضراب غير كامل في مدرسة وهنا يذهب الطالب إلى المدرسة كعادته ووجود معلم أو معلمين بالمدرسة وحضور بعض الطلاب وغياب بعضهم يفتح فرص للطلاب لسلك سلوكيات غير سليمة بسبب عدم انتظام الحصص، وبعض الطلاب يخرجون من بيوتهم ولا يذهبون إلى المدارس ويذهبون إلى أماكن أخرى مثل: الحدائق وشارع النيل… الخ، وفي المدارس الابتدائية أثر وجود طلاب من غير معلمين وحصص في المدرسة على الطلاب من خلال حدوث المشاحنات والمشاكل بين الطلاب، وقد واجهت مدارس مشاكل كثيرة من هذا النوع وشكاوى من أولياء أمور وطلاب وبعضهم قام بتجميد العام الدراسي وبعضهم فضَّل نقل ابنه أو ابنته إلى التعليم الخاص.

واصلت أستاذة آمنة حديثها من ناحية نفسية تأثير الإضراب على الأهالي قائلة: بعض الأهالي يحسون بعجز كبير، فهم لا يستطيعون الوقوف مع المعلم أو الحكومة ولا يستطيعون منع أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة أو عدم الذهاب، وهم يعلمون أن الحصص غير قائمة وأن في ذلك تضييع للزمن الذي يفترض أن يتلقى طفله فيه المعلومة، وهنالك خسارة مادية -أيضاً- للوالد الذي يقوم بدفع مصاريف المواصلات والفطور يومياً، ومن ناحية أكادمية يجدون صعوبة في محاولة تدريس أبنائهم الدروس التي لم يدرسوها في المدرسة، وقد تكون طريقتهم غير طريقة المعلم، وهنا لا يستطيع الطالب الفهم وبعض الأهالي غير المتعلمين الذين يحسون بعجز كبير ولذلك هناك تأثير نفسي كبير عليهم.

تحدثت أستاذة آمنة -أيضاً- عن طالب الاتحاد قائلة: هناك طلاب لا يعتبرون طلاب حكوميين أو تعليم خاص وهم طلاب الاتحاد الذين يدرسون في مدارس حكومية، ولكن في فصول خاصة بقيمة معينة توزع على المعلمين الذين يدرسونهم، أولئك الطلاب تضيع حقوقهم في الإضراب فهم يخسرون المال كطالب التعليم الخاص ولا يتلقون الحصص وهناك شكاوى وتظلمات كثيرة مقدَّمة من أهالي أولئك الطلاب، وهنا أرى أن لهذا الطالب الحق في إكمال المقرر والحصص ولكن المدرسة تعامله كطالب الحكومة وتشمله في الإضراب.

لا نهاية

أبرار، طالبة ممتحنة للشهادة السودانية في إحدى المدارس الحكومية تحدثت إلى (الصيحة) قائلة: جلست السنة السابقة لامتحان الشهادة ولم أحرز نتيجة كبيرة مع العلم أني كنت متفوِّقة في الصف الأول والثاني وذلك بسبب الإضرابات في السنة السابقة وكثرة الإجازات وعدم تلقينا لكامل المنهج وإذا حاولت دراسة الدروس لوحدي لا أستطيع فهي صعبة جداً عليَّ وهناك بعض المواد التى يجب أن يشرحها لي المعلم، وكذلك بعض المعلمين الذين كانوا يحاولون إكمال المقرر عن طريق تدريسنا وحدة أو باب كامل أو عدة دروس في زمن واحد، أحسست أنا وزميلاتي بضغط كبير علينا وأصبحنا ننسى المعلومات لكثرة المقررات،

واصلت أبرار حديثها قائلة: طلبت من أهلي أن ينقلوني إلى مدرسة خاصة، لأن الأحوال مستقرة هناك،  فبعض الصديقات لي في المدارس الخاصة مستقرات ومستعدات جيِّداً للامتحان، ولكن بسبب ظروف المعيشة لم يستطع أهلي نقلي . أضررت لإعادة هذا العام، ولكن نفس النتيجة هناك ضغط كبير علينا ودروس كثيرة فائتة علينا.

اختتمت أبرار حديثها قائلة: في لحظة قررت تجميد العام وجلوس الامتحان بعد أن تستقر الأوضاع ولكن أهلي رفضوا بحجة أنها ستكون سنة ضائعة وأن هذا الإضراب ليس له نهاية فأنا خائفة من إحراز نتيجة ضعيفة مرة أخرى وأتمنى أن يكون هناك حل لهذه القضية.