5 فبراير 2023
وجذورهم هنا..
أو جذور بعضٍ منهم..
هنا؛ أو هناك… في منطقة حلوف..
وقديماً كان هنالك مسلسل أمريكي شهير اسمه العودة إلى الجذور..
ويحكي عن عائلة ذات أصول إفريقية تبحث عن جدها..
أو جدها الأول الذي هو كونتا كونتي..
والذي نذر نفسه لقصة البحث هذه هو مؤلف الرواية نفسه أليكس هالي..
وما زلت أذكر ذاك البار المطل على النيل..
أو الذي يقع في شارع النيل بمدينة كريمة؛ وقد كنت يافعاً آنذاك..
وصاحبه يهودي اسمه شاؤول..
وشاؤول هذا هو جد رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو..
وما زالت هنالك ساقية – بنوري وحلوف – تحمل اسمه… واسم العائلة..
وله عم أسلم؛ وسمى نفسه عبد الرازق..
بل وأصبح مؤذناً – بأحد المساجد هناك – ذا صوت فخيم… ورخيم..
ولم يقاطعه أهله… ولا قاطعهم هو..
وقبل فترة قال مستشار نتنياهو: مرحباً بأبناء عمومتنا… ويعني السودانيين..
أو ربما كان يقصد الشايقية؛ بما أن جذورهم هناك..
وذلك عقب لقاء البرهان بنتنياهو هذا في عنتيبي؛ وقد كان رئيساً للوزراء..
وهذه حقائق تاريخية؛ وحقائق التاريخ لا تُغضب..
وكذلك المنطق لا يُغضب..
فالمنطق لا يخاطب القلوب… وإنما العقول..
والمنطق هذا يقول إن جذورهم هنا..
أو هناك بحلوف التي تجاور نوري… وتجاور كريمة… حيث بار شاؤول..
والبار ذاك صار طاحونةً الآن..
وأيضاً من زاوية الدين هنالك قواسم مشتركة بيننا وبينهم..
ومنها ختان الذكور..
ومنها تحريم المثلية الجنسية؛ ومنها حرمة لحم الخنزير..
كما أن منها صلاة الاستسقاء عند انحباس المطر..
ثم أخيراً – وليس آخراً – الانتساب إلى أبي الأنبياء إبراهيم..
فهو جد اليهود من ولده إسحاق النبي؛ وجد المسلمين من ابنه إسماعيل..
ومن ذلك جاء اسم الاتفاقيات الإبراهيمية..
وبالمنطق نتحدث؛ والمنطق لا يعرف لغة العاطفة؛ وإنما لغة العقل..
واللغة هذه نرد بها على الرافضين للتطبيع..
سواء مع مصر… أو المغرب… أو البحرين… أو الأردن… أو الإمارات..
وأخيراً مع السودان؛ كمات بدأت إرهاصاته الآن..
فمن منطلق ديني لا يُوجد ما يحول دون عقد معاهدات سلام مع اليهود..
وقد فعلها رسولنا الكريم نفسه من قبل..
ومن منطلق سياسي كل معاهدة ممكنة مع أي جهة؛ فالسياسة فن الممكن..
ومن منطلق أخلاقي فما من جريمة في مثل هذه الخطوة..
ولا يمكن لنا – كسودانيين – أن نكون أكثر فلسطينيةً من الفلسطينيين..
أو أن نكون ملكيين أكثر من الملك..
فمنظمة التحرير الفلسطينية وقعت معاهدة أوسلو مع إسرائيل..
وذلك في حياة زعيمها الراحل عرفات..
أما خلفه الحالي – عباس – فقد ذهب إلى إسرائيل بغرض الاستشفاء..
وموقفي – الشخصي – هذا ليس بجديد..
وأعني موقفي إزاء النظرة تجاه اليهود؛ وجهرت به كثيراً في زمان الإنقاذ..
وأشدت بديمقراطيتهم مقابل شمولياتنا نحن..
وقلت إن لهم مليون حق بأن يفاخروا بها؛ ويصفونها بالواحة وسط الصحراء..
واحة ديمقراطية وريفة؛ وسط صحراء شمولية قاحلة..
ومن الغريب أن مما يعيبه الرافضون هؤلاء على إسرائيل قتلها الفلسطينيين..
ولا يعيبون على أنظمة إسلامية الشيء نفسه..
مع ملاحظة أن إسرائيل تقتل من تعتبرهم أعداء لها؛ ولا تقتل شعبها..
أما الأنظمة المسلمة هذه فتقتل أبناء شعبها..
حتى وإن كان القتل هذا بسبب حجاب… كما في مأساة مهسا الإيرانية..
أو بسبب احتجاج… كما في سوريا..
أو بسبب تظلم اجتماعي… كما في سودان البشير..
أو بسبب معارضة للحكومة… كما في عراق صدام حسين..
أو بسبب خلاف سياسي… كما في مصر عبد الناصر..
والآن من يعارضون أي اتفاق مع إسرائيل ينتسبون إلى كل القتلة هؤلاء..
فهم إما بعثيون… أو ناصريون… أو بشيريون..
أو حتى إيرانيون؛ وملالي إيران يسلحون شعبهم… ويقتلون مهسا في حجاب..
ثم هنالك حجة: وماذا نستفيد من العلاقة مع إسرائيل؟..
وكأنما إسرائيل هذه جمعية خيرية… وليست دولة كبقية دول العالم..
ونرد على تساؤلهم هذا بتساؤل مضاد… ومنطقي..
ونقول: لماذا لا نطرح مثل هذا السؤال عند إقامة علاقة مع أي دولة أخرى؟..
وهل العلائق بين الدول تُبنى على هذا الشرط؟..
فمرحباً باليهود وبعضهم يود الآن العودة إلى أصولهم..
إلى حيث بلدهم حلوف… وجدهم شاؤول… وعم رئيس وزرائهم عبد الرازق..
ثم ساقيتهم التي في نوري..
مرحباً بعودتهم إلى بلادهم… وبلادنا..
إلى الجذور!.