ما بين سلبي وإيجابي وانتهازي: الحراك الأجنبي.. أين يمضي بالسودان؟
تقرير- مريم أبَّشر
أبدت وسائل إعلامية غربية وأمريكية قلقها إزاء تعقيد الأزمة السياسية في السودان رغم المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية، ورأت أن التدخل الخارجي بدلاً أن يسهم في حل الأزمة وتقريب شقة الخلاف بين الأطراف المتنازعة في السودان، عمل على تعويق وتعقيدها، وبحسب صحيفة (الناشونال بوست الأمريكية) إن تدخل القوى الإقليمية الدولية عقّد الانتقال السياسي في السودان.
ونوَّهت الصحيفة في تقرير لها ترجمته (اليوم التالي) إلى أنه في الوقت الذي تشارك فيه الأحزاب السياسية السودانية في محادثات لتشكيل حكومة مدنية وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات بعد أكثر من عام من انقلاب عسكري، تلوح في الأفق مناورة من قبل القوى الإقليمية والدولية الساعية لتأمين مصالحها في السودان على حساب الجهود المبذولة لتخطيط المستقبل السياسي للبلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن موقع السودان الذي يقع في منطقة متقلبة على الحدود مع البحر الأحمر والقرن الأفريقى تُحاصره الإضرابات السياسية في محيطه في كل من أثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا، الأمر الذي يدفع القوى الغربية لتشديد حرصها على منع أي عدم استقرار في السودان يمكن أن ينتقل إلى جيرانه في الإقليم. وقالت الصحيفة في تقريرها: “كل من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تسعى لتحقيق الاستقرار السياسي في السودان بحماية لمصالحها السياسية والاستثمارية، بينما تسعى واشنطن لإنهاء العزلة الاقتصادية التي عانت منها البلاد إبان العقوبات الأمريكية ومواجهة النفوذ الروسي المتعاظم في السودان”.
ويأتي القلق الأمريكي وفقاً لما أوردته “الناشونال بوست” في وقت تنتظم فيه مسارات استكمال الاتفاق الإطاري المدعوم إقليمياً ودولياً وتقف على ترتيبات انعقاد الورش الخاصة بالتوصل بتفاهمات حول القضايا الخلافية التي قطعت شوطاً بعيداً باتجاه التوصل لاتفاق شامل ينهي الأزمة ويدفع باتجاه تكوين حكومة انتقالية تستكمل ما تبقى من فترة انتقالية وتضع الترتيبات والإجراءات الخاصة بقيام الانتخابات وصولاً لحكومة منتخبة بإرادة الشعب، في هذا التوقيت افترعت القاهرة هى الأخرى مساراً آخر للكتلة الديموقراطية، يرى كثير من المتابعين للشأن السياسي السوداني، لا توجد خلافات جوهرية بينهما واعتبروا الخطوة محاولة لقطع الطريق أمام مسار الاتفاق الإطاري الذي شارف على نهاياته . وبرأي المتابعين فإن التدخلات في الشأن السوداني وأن كان بعضها حميداً يسعى لمساعدة السودان في تخطي أزمته الراهنة، إلا أن تلك القوى تسعى عبر استقرار السودان لتحقيق مصالحها، فيما ترى أخرى أن مصالحها تتضارب مع استقرار السودان وأنها تسعى للاستثمار في مشكلاته وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والسياسية.
تدخل حميد
بعض القوى السياسية الفاعلة في الحراك السوداني لحل الأزمة السياسية نأت بنفسها عن تحميل الخارج أو محاولات بعض أصدقاء السودان وجيرانه من الدول والمنظمات مسؤولية تعقيد الأزمة السياسية أو تعطيلها بغرض تحقيق مطامح ذاتية والاستثمار في صراعاته للاستفادة من موارده، كما يرى آخرون، بل يعتبرون أي مساعٍ هي محاولة لتقريب شقة الخلاف واحتوائه نظراً لتأثيرات السودان الكبيرة على الإقليم بحكم موقعه الجيواستراتيجي وفي ذات المنحة قلّل رئيس حزب الأمة القومي السوداني، فضل الله برمة ناصر، في حديث سابق له من حجم الرفض الذي يواجه التسوية السياسية الجارية بين المكوِّن العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وفصائل أخرى. واعتبر التدخل الأجنبي في شؤون السودان -حالياً- “حميداً” وليس “خبيثاً”.
ويرى ناصر – زعيم حزب الأمة أكبر تنظيمات تحالف قوى الحرية والتغيير- أن الأوضاع المعقدة التي يعيشها السودان تتطلب تعاوناً بين القوى المدنية والعسكر للحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
واتهم الحزب البائد وقوى أخرى باستخدام القبائل في الصراع السياسي مما وسّع من نطاق المواجهات القبلية وضاعف من عدد الضحايا.
ليس حميدًا
مراقبون لحركة الحراك الأجنبي والوساطات سواءً فردية عبر دول أو عبر مجموعات منظمات إقليمية أو دولية ومع تطاول الأزمة السياسية وتشعب وتشظي وتناسل الملفات دون بارقة أمل للحل جزموا بأن معظم التدخلات أن لم تكن كلها لم توت كلها وهي أسهمت بشكل أو آخر في تأزيم المشهد السياسي بدلاً من الإسهام في الحل.
يقول السفير الطريفي كرمنو، الخبير الدبلوماسي: إن التدخلات أزَّمت المشكل السوداني، وتابع: الإيقاد،الرباعية الثلاثية وتدخل السفارات عبر سفرائها لم تقدِّم شيئاً بخلاف زيادة المشهد السياسي قتامة، وأبدى استغرابه للمجموعة التي توجهت لمصر، وتساءل عن جدوى الحوار لمجموعة ليس بينها خلاف كبير، وتابع: (إلا إذا أرادوا تغيير جو في أم الدنيا). وقال معلقاً على خطوات التطبيع التي يمضي بها رئيس المجلس السيادي مع الحكومة الإسرائيلية، وبقوله: الخطوة تؤكد أن الفترة الانتقالية سيطول أمدها وتفسيره لذلك أن الدولة الإسرائيلية تبني عملها وخطواتها عبر الاستخبارات ولو أنهم رأوا أن الحكومة الانتقالية ستنتهي في وقت قريب لما مضوا في خطوات التطبيع، وأشار إلى أن تشظي الأحزاب وتشاكسها وفضلاً عن تمسُّك كل طرف بمواقفه يؤكد أن الوصول لحلول لن يكون قريباً في ظل عدم التوافق، وتوقع أن تعود الوفود التي ذهبت للقاهرة بخفي حنين، وتابع: معلوم أن الفترة الانتقالية للديموقراطية الأولى والثانية كانت عاماً واحداً، ولكن الآن مرت ثلاث سنوات، ودخلت السنة الرابعة من عمر الثورة وما زالت الخلافات تراوح مكانها.
سلبية
رغم الدعوات التي تكررت من منظمة الإيقاد للاتحاد الأفريقي برفع التجميد المفروض على للسودان، إلا أن الاتحاد لا يحرِّك ساكناً، بل أنه يشارك ضمن الآلية الثلاثية التي لم تفلح حتى الآن في إحداث الاختراق المطلوب في الأزمة السودانية.
سلباً وإيجاباً
أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الدكتور صلاح الدومة، في تقييمه يرى أن التدخلات الخارجية بعضها إيجابي كالآلية الثلاثية والرباعية هؤلاء حسب الدومة ساهموا في حل المشكلة بتقديم مبادرات وحلول من أجل تكوين حكومة، فيما أسهمت كل من المخابرات المصرية والإسرائيلية – حسبما يرى الدومة – في تأزيم الخلافات وتعقيدها، ويضيف قائلاً: إن كانت إسرائيل تركز بالأساس على إقامة علاقات مع الخرطوم غير آبهة بما يجري فيه من خلافات داخلية وتسعى لإقامة علاقات واستكمال عملية التطبيع غض النظر حلت الأزمة السياسية أم لا. فيما يرى الخبير في العلاقات الدولية الدومة في التدخل المصري محاولة لعرقلة خطوات الحل عبر الاتفاق الإطاري الذي يمضي قدماً وقطع الطريق أمامه والسعي لإحداث سيولة أمنية وسياسية وأمنية واقتصادية بغرض نهب ثروات البلاد بالمجان، كما يرى عبر تبني اتفاقات وهمية، وتابع: الكل يعرف احتلالها لحلايب ومحاولة توطين ٢٥٠ أسرة مصرية بالشمال باتفاق وهمي.