صلاح الدين عووضة يكتب: شليل!
بالمنطق
صلاح الدين عووضة
شليل!
وين راح؟..
أكله التمساح..
وفي ميدانٍ جنوب ابتدائية البنات – ببلدتنا – كنا نلعب هذه اللعبة التراثية..
فهي لعبة قديمة… قدم لعباتنا المحلية..
التاج… وأحمد جعفر… وسيد الأمين… ومجدي محجوب… وإسحاق هجربي..
ثم شخصي؛ وسابعٌ ما كان يُشاركنا لعبنا هذا..
فهو لديه شليلته الخاصة به… والتي يظل يبحث عنها تحت ضوء القمر..
أو تنتظره هي أن يبحث عنها..
ومفردة شليلة هنا مؤنث شليل؛ إن جاز التعبير..
فهذا ما كان يشغله رغم صغر عمره – وأعمارنا – في صبانا المبكر ذاك..
ثم حين كبر – وعثر على شليلته – لم تكن إلا شليلاً..
لم تكن إلا محض عظمة مع فارق بسيط؛ وهو أنها تكسوها مزعةُ لحم..
بينما شليلنا كان عظمةً بلا لحم..
وكان أغربنا لعباً اثنان: إسحاق… ومجدي..
أما الأول فكان أكثرنا صراخاً… وأقلنا عثوراً على شليل..
أما الثاني فكان يطير – في كل مرة – عكس الاتجاه الذي يطير نحوه شليل..
وحين يُرمى شليل هذا بعيداً ننطلق لنعثر عليه..
ننطلق بحثاً – في ضوء القمر – على وقع أهزوجة:
شليل وين راح؟……… أكله التمساح..
وقبل أن نجد عظمتنا تعثر علينا عظمةٌ أكبر؛ أو بالأصح يعثر علينا حاملها..
وهو دوماً حاضرٌ في الموعد… واسمه فكي صالح..
ولا ينطبق عليه – أبداً – مقطع رائعة الدوش/ وردي: لما تغيب عن الميعاد..
يأتي من جهة الجنوب… ويذهب تجاه الغرب..
ولكنه لا يذهب إلا بعد أن يذهب بسكينة لهونا؛ فإن ذهب… ذهب عنا الروع..
فقد كان يحمل بيمناه عظمة كتفٍ ضخمة..
وما أحسبها إلا لثور… أو جمل؛ وكانت تلتمع بيضاء تحت ضوء القمر..
ويلوح بها عالياً في الهواء… ومن بعدُ نحو وجوهنا..
ثم يصيح صيحته المرعبة (عضم في راس زول… عضم في راس زول)..
ولا يعني بتهديده ذاك إلا من يفشل في العثور على شليل..
ولكنه لم يهو بعظمته هذه في رأس (زولٍ) أبداً… ورغم ذلك كنا نرهبه..
فمن الذي يمكنه التنبؤ بمسلك من لا حرج عليه؟..
وهذه الذكرى الماضوية الجميلة لا تستدعيها الذاكرة الآن لأغراض الجمال..
ليس بغرض اجترار ليالٍ ذات شجنٍ… وجمال..
وإنما لشيء أبعد ما يكون عن الجمال…. عن واقعٍ أليم… وقديم متجدد..
فنحن نفتأ نضيع شليلنا السياسي..
نضيعه من لدن استقلالنا… وإلى يوم الناس – والثورة – هذا… ولا نعثر عليه..
ويظل جواب سؤالنا عن شليلنا دوماً: أكله التمساح..
ولا نقدر على لوم التمساح هذا بما أننا نحن الذين نرمي شليلنا بين فكيه..
ثم نحاكي العبادي/ بادي… في نواحهما:
ببكي… وأنوح… وأصيِّح..
وليتني أستطيع أن أسترجع – مع هذه الذكرى – روح فكي صالح..
ليتمثل لنا شبحاً سوياً..
ثم يصيح صيحته تلك (عضم في راس زول) ويلوح به عالياً في الهواء..
وفي وجوه من يضيعون شليلنا الآن… ولا يعثرون عليه..
سيما من يشبهون منهم مجدي…. هرولةً في عكس اتجاه شليل..
أو إسحاق؛ صراخاً – وصياحاً – دونما فائدة..
أو سابعنا ذاك؛ المشغول بالشليلات… أكثر من انشغاله بشليلنا الذي يهمنا..
ثم يهوي به على (رأس زول)..
أي (زول) من الذين يتقاسمون جريرة إضاعة شليلنا..
ثم يتصايحون بمثل عقلية طفولتنا تلك:
شليل ويـن راح؟..
أكله التمساح!.