صديق الحلو يكتب: في ديار الشنخاب بمني.. حتماً سنحصد الثمار
مشافهة ثقافية
صديق الحلو
في ديار الشنخاب بمني.. حتماً سنحصد الثمار
من أم درمان عبر سد جبل أولياء، اتجهنا جنوباً إلى النيل الأبيض، ومن ثم مروراً بالدويم إلى جزيرة أم جر.
نبات البوص والعُشر وشجر الطلح والهشاب وأشجار السنط والمسكيت والهجليج والسدر على مد البصر.
تلال صغيرة من الرمال وأعمدة الكهرباء مغروزة فيها، ولافتات على الطريق السريع، مزارع الذرة الرفيعة، الخضروات والطماطم والقمح والأرز والبطيخ.
عمر سائق الـ”بي واي تي” الصفراء التي تقلنا يحكي عن الذكريات، إلهام، ليلى، وأمير وشبكة النت المافي.
شارع الخرطوم – كوستي كحية رقطاء مبرقعة، حُفر ومطبات على طول الطريق، بصات الصداقة وتباريح الآتية من الأبيض أبو قبة تزحم الطريق بتجاوز نزق،
كانت رحلة شتائية باذخة ومدينة مني كجزر الواق واق في المخيلة، وكأنها فاس الما وراها ناس، بعيدة وصعبة المنال.
كمناديل التيشوز تبدو نعيمة وود الزاكي، الكوة والقطينة جنة بلال، حضارات سادت ثم بادت وأضحت أطلالاً.
بنطون الكريدة – الكوة كسفينة نوح فيه من كل زوجين اثنين، حيوانات وناس ونبات وعربات وبهائم.
يتيمن الناس هنا بالأماكن المقدسة في الحجاز، عرفة، الطائف، منى ومزدلفة، ويسمون عليها قراهم والفرقان.
والنيل الأبيض المهيب يمتد حتى الجانب الآخر من الدنيا، في كبرياء وأنفة على مد البصر تجد المراعي الخضراء عطاءً ونماءً.
تسمع أصوات الذكر راتبة في الكريدة وشبشة الشيخ برير، وفي الريفية ومبروكة وبخت الرضا يردد الفتية أنا سوداني، والصبايا ينشدن عازة في هواك، وينتشي الكون، وتطل الجغرافيا مشاريع الإعاشة في وكرة، الدبيبة، عويوة، أم عقارب، أبقر وود نمر.
هنا حيث قدل الشهيد بله، وسار أبو البشرى، وطاف المهدي الإمام.
قابلنا القوم بترحاب وافر وكرم فياض، بتبشار سلموا علينا بالأحضان وغمرتنا الدنيا بالمسرة، رحب بنا ود البيه آدم والبشير قنطور والصادق بشير بلال.
في جبل العرشكول تحس بالطمأنينة والعظمة والبهاء والشموخ معاً، وتشهد عجال لاقن.
والغرانيق تسبح في فضاء الله الواسع، يخفق طائر السمبر أجنحته مرحاً، تغطي أجنحة طير الرهو أشعة الشمس.
في كتير بله، تجد الجمال الزاهي والحسن الفريد وتقيل في أم عقارب.
وفي أبو قصبة ترتشف رشفة من الماء الزلال، وفي بوجو يحلو السمر، ولا تختلط عليك الأمور بعد شرب قهوة محلاة من البن.
يُوحل عمر في الدقيناب، وعلى البُعد ترى السعد منتشراً، الستيب، وأم بانقيقا، وعلى أنغام البلابل نحلق عالياً ونحن على مشارف ود شلعي نتزوّد بالفسيخ الما خمج والجبنة المُضفّرة وذاك الشجن تتمدّد الأحلام، وتتمتع، دلِّع نفسك وتجدع.
محمد فرص بضحكته الباهرة رحّب بنا على طريقته الخاصة، أكلنا معه السمك الشهي في الدويم، متبل بالشمار والتوم، حار وطاعم.
وكان لا بد أن تنتهي الرحلة الحلم، لحظات السعادة لا تدوم شلعت كبرق خاطف لاح ثم تلاشت.
منظر الماشية بألوانها المُتعدِّدة وهي ترعى في المروج الخضراء، الأبقار والضأن وصغار الماعز، والقرى الحانية المُتناثرة على مَدّ البصر.
الحياة هنا ودودة ورتيبة وتسير كما هي قبل ألف عام، مليئة بالأمل والحُب والشجن، ينمو الكرم والسخاء والرخاء والبهاء هنا، وحتماً سنحصد الثمار.