سيرجي لافروف في الخرطوم.. توقيتٌ مُهمٌ وملفاتٌ أهم
سيرجي لافروف في الخرطوم.. توقيتٌ مُهمٌ وملفاتٌ أهم
تقرير- مريم أبشر
تداولت وسائط إعلامية، معلومات تفيد بأن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سيقوم بها للخرطوم الأسبوع المقبل.
وحسب المعلومات، فإن لافروف سيلتقي بعدد من كبار المسؤولين في حكومة الأمر الواقع، على رأسهم رئيس مجلس السيادة ونائبه، بجانب وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، وتأتي زيارة لافروف في ظل تعقيدات اقليمية ودولية وموجة استقطابات حادة تجتاح المجتمع الدولي في أعقاب الحرب الأوكرانية الروسية، وبروز صراع القوى الغربية الشرقية الذي تتزعمه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي على الضفة الغربية وروسيا والصين على الضفة الشرقية، كما تأتي الزيارة والسودان يعاني وضعاً استثنائياً في ظرفه الراهن سياسياً واقتصادياً وأمنياً وتخوفات اقليمية ودولية من انفلات الوضع فيه وانتقال تأثير ذلك على مُحيطه الإقليمي، نظراً لأهمية الموقع الجيواستراتيجي للسودان.
وحسب مراقبين، فإن توالي الزيارات لكبار المسؤولين من الإقليم (دول الجوار) والدوليين، بما في ذلك زيارة لافروف المرتقبة ووفد دول الترويكا، فإن زيارة لافروف تأتي أيضاً في أعقاب انطلاق العملية السياسية في السودان الخاصة بالتوصل لاتفاق نهائي تتشكل على إثره حكومة كفاءات لاستكمال ما تبقى من فترة انتقالية.
ورغم التعقيدات والصعوبات التي تواجه العملية السياسية الجارية حالياً بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري نظراً لرفضها من قبل بعض القوى السياسية، إلا أن هنالك اصرارا اقليميا ودوليا على إكمال العملية والضغط على الممانعين لها للانخراط والانضمام إليها، ويشير ذات المراقبين الى ان هنالك بعض التدخلات الخارجية غير حميدة، باعتبار أنها تأتى في سياق صراع المحاور ومحاولات قطع الطريق على بعضها البعض، ويتصدر أسباب الصراع في البحر الأحمر ومحاولات السيطرة على المجرى الأهم في الربط المائي الاقليمي والدولي، نظرا لأهمية السلع الاستراتيجية التي تعبر عبره، كما تمثل الموارد الطبيعية الغنية التي يزخر بها السودان في ظل الشح العالي للغذاء سببٌ آخر للتكالب الدولي الإقليمي على السودان.
التوقيت
زيارة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي تأتي ضمن جولة يزور خلالها عددا من الدول العربية والأفريقية تونس، موزمبيق ودول أخرى. ووصف السفير الدكتور علي يوسف توقيت الزيارة بالمهم لروسيا نظراً للحرب الروسية الاوكرانية، وللتداعيات الاقتصادية والعزل الاقتصادي وتأثيره الكبير، فضلاً عن الضغوط الناجمة عن العقوبات الغربية و التي تسببت في خلق أوضاع صعبة، وهي واحدة من أهم مشاكل روسيا. وبالمقابل تسعى روسيا لخلق ضغوط على أوروبا والغرب وذلك في ظل سعي الغرب لعزل روسيا عن مؤسسات التمويل الدولية (البنك وصندوق النقد الدوليين).
ويرى أن جولة لافروف هي محاولة للبحث عن نظام جديد بالتعاون مع دول حليفة لها كالصين والهند ودول أخرى لتسهيل العمليات التجارية مع هذه الدول.
وقال ان ما يجري من صراع اقتصادي بين المحورين تقابله أبعاد أخرى، أهمها السياسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان وكل المؤسسات الدولية، وقال هنالك محاولات جارية للضغط على روسيا عبر القرارات، و بالتالي فإن تحركات روسيا للبحث عن المواقف العربية والأفريقية وبعض الدول الآسيوية للوقوف إلى جانبها وتفهم وضعها.
انما اقتصادياً، فإن موسكو تسعى عبر التحركات لخلق علاقات اقتصادية بنّاءة متطورة . فيما يلي السودان يقول السفير علي يوسف إن لافروف سيلتقي خلال الزيارة بوزير الخارجية السفير علي الصادق وبرئيس مجلس السيادة ونائبه وبالطبع ستبحث اللقاءات العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة والتطورات في السودان، لا سيما السياسية، وتوقع أن يكون موضوع الشركات الروسية العاملة في السودان واحدة من أجندة البحث، لافتاً إلى أن بعض الشركات الروسية لديه عمل جيد في السودان خاصةً شركات الذهب العاملة، وإنها تعود بفائدة على السودان.
القاعدة
وأشار إلى أن الزيارة يرجّح أن تبحث في ملفات قضايا مهمة وهي امن البحر الأحمر وأهميته الاقتصادية، ولا يستبعد أن يثير الجانب الروسي القاعدة الروسية، لكن يوسف توقع أن لا يستحوذ الملف على النقاشات، لجهة أن أي اتفاق لإقامة قاعدة عسكرية لدولة أجنبية يستوجب موافقة البرلمان وهو غير متوفر الآن.
أمن الأحمر
وقال الخبير الدبلوماسي، إن أمن البحر الأحمر يهم عددا كبيرا من الدول الإقليمية والدولية، وقال مؤكد ان الزيارة ستتطرق لهذا الملف، وقال ان السودان لديه مصلحة في خلق علاقات متوازنة في هذا الخصوص مع الغرب وأمريكا، وتابع ما يهمنا ان تكون منطقة البحر الأحمر منطقة سلام خالياً من القواعد العسكرية وأن يكون ممر مائيا تجاريا وهذا أمر مهم.
دول أفريقية
وتوقع السفير علي يوسف أن تثار خلال الزيارة التطورات في دول الجوار السودان خاصةً الأوضاع في افريقيا الوسطى وتشاد على خلفية الزيارات الأخيرة لرئيس ونائب رئيس المجلس السيادي، وقال إن السودان يسعى أن يكون محايدا ولا يتدخل في الصراعات الداخلية للدول، ولا يستبعد إثارة ملف شركة فاغنر الروسية، باعتبار أنها محل اهتمام أمريكي وغربي، لأن للشركة نشاطا في الدول الأفريقية.
أما على مستوى السودان، فإن روسيا تعد دولة مهمة، هي مهتمة بما يجري في السودان، وهي بالطبع تدعم خط الاستقرار وما يتوصل اليه الشعب السوداني على مستوى المبادرات المطروحة على الساحة، ويرى ان الروس هم أقرب للمكان العسكري بشقيه الفريق البرهان القائد العام للقوات المسلحة وحميدتي قائد قوات الدعم السريع، لافتاً إلى أن الأخير زار روسيا مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ويضيف: الموقف السوداني من الحرب الروسية الأوكرانية لا يزال عند محله وهو موقع وسطي بعدم الانحياز الى طرف، وظل دوماً يدعو الى أن تحل الخلافات بالطرق السلمية، وتابع مؤكد ان السودان يتفهم المخاوف الروسية، وإن أوكرانيا قد تنضم الى حلف الناتو، خاصة وانها تجاورها معها حدود طويلة.
التوجُّه شرقاً
يقول الخبير الدبلوماسي السفير الصادق المقلي معقباً على الزيارة المرتقبة للافروف للسودان إنه وفي أعقاب انقلاب ٢٥ أكتوبر والحصار والمقاطعة الغربية المفروض على السودان، حاولت سلطة الأمر الواقع التوجُّه شرقاً شطر موسك ، خَاصّةً وأنّ الغرب كان وقتها قد أحكم عزلته وحصاره الاقتصادي على روسيا في اعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ويضيف: ظلت موسكو تبحث عن حلفاء لها تفك به طوق العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، وقد وجدت بالفعل ضالتها في إنشاء حلف غلب عليه الطابع الاقتصادي، وعلى رأس هذا الحلف غير العسكري وغير المعلن الصين وإيران، وذلك لتوسيع رقعة أسواقها لمبيعات الوقود وأهمها الغاز والوقود وعلى قمته شحنات القمح، وتابع وقد نجحت روسيا لحد ما من تخفيف العقوبات عليها من جهة، ومن خلق ربكة كبيرة في إمدادات الغاز والقمح في دول أوروبا الغربية، وارتفاعا ملحوظا في أسعار هذه السلع الاستراتيجية، بل إن الحرب الروسية الأوكرانية قد ألقت بحجر في أزمة الغذاء العالمية.
غير محسوبة
أما فيما يتعلق بالسودان، وفي خطوة لم تكن محسوبة تماماً، قام نائب رئيس مجلس السيادة بزيارة لموسكو غداة اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا، أعقبتها زيارة لوفد من زيارة المعادن لروسيا .. لكن كل هذه الزيارات، فضلاً عن تضامن بعثات السودان الدائمة في كل من نيويورك وجنيف مع موسكو، حيث لم تعبر عن إدانتها او التصويت ضد مشروعات القرار التي ظل المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تدفع بها في هذه المحافل الدولية ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة إنها كانت عديمة الأثر تماماً فيما يتعلق بأيِّ مُساعدات مالية للنظام العسكري في السودان يُساعده في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من المعسكر الغربي وبصفة خاصة الاتحاد الأوروبي والترويكا.
موقعٌ مُميّزٌ
ويرى المقلي أن الموقع الجيواستراتيجي للسودان على البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي بصفة عامة، خلق نوعاً من تكالب قوى دولية مثل روسيا ودول غربية مثل أمريكا و حتى دولة خليجية معروفة لإيجاد موطئ قدم لها للاستفادة اقتصادياً من حيث إنشاء موانئ على البحر الأحمر أو تحقيق مصالح استراتيجية، ربما تصل إلى حد إنشاء تسهيلات عسكرية على البحر الأحمر، وفي هذا المقام ينبع التنافس الروسي والأمريكي في المنطقة.
وقال: استهلت هذا التكالب موسكو إبان زيارة الرئيس البشير قبيل سقوط نظامه بشهور قليلة، حيث وقع معها كما تم كشف النقاب عليها لاحقاً على اتفاقية إنشاء مركز لوجستي على البحر الأحمر لسفن حربية تحمل رؤوساً نووية ، لكن يبدو أن هذه الاتفاقية لم تَرَ النور، حيث تحفظت عليها ووقفت في طريق إنفاذها حكومة د. حمدوك بالاتفاق مع المكون العسكري وما زالت تلك الاتفاقية المبدئية في طي النسيان.
قَلَقٌ أمريكيٌّ
نبه السفير إلى أن تلك الاتفاقية عدم وجودها اثارت قلق وحفيظة واشنطن التي دفعت بوفود عسكرية من واشنطن ومن سفارتها عبر الملحق العسكري الى زيارة المنطقة، في خطوة تبدو أن واشنطن أرادت بها إرسال رسالة إلى الحكومة في الخرطوم، وتابع: وقد ظلت أصابع الاتهام الى تورط منظمة فاغنر في مجال تعدين الذهب بالسودان، وهي شركة عسكرية، بالرغم من زعم موسكو بعدم وجود صلة لها مع الحكومة الروسية، لكنها مما لا يدعو مجالاً للشك تقع تحت الإشراف المباشر لبوتين وبعض شتات الاوليقارشيا الروسية في الدول الغربية، كما تم رصد لفاغنر في عدد من الدول الغربية خَاصّةً في مالي بعد انسحاب فرنسا، وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغيرها من دول غرب أفريقيا، حيث تعمل في مجال تعدين الذهب والماس مقابل حراسة عسكرية لأنظمة هذه الدول.
لا جديد
وأضاف: لا أعتقد أن زيارة وزير الخارجية الروسي سوف تحدث أثراً كبيراً على الراهن السياسي بالسودان في ظل إمساك الدول الغربية وخاصّةً الرباعية بملف الأزمة، وهي تلقي بثقلها في مساعدة السودان للخروج من هذه الأزمة في سبيل المحافظة على مصالحها الاستثمارية والاقتصادية في السودان والاستراتيجية في المنطقة بصفة عامة، ولذلك لا اعتقد أن زيارة الوزير الروسي المرتقبة سيكون لها ما بعدها.