تقرير/ مريم أبشر
لعب شركاء السودان، والدول المجاورة والصديقة دوراً هاماً في المفاوضات الماراثونية التي امتدت لما يقارب الأربعة أشهر، شهدت خلالها البلاد سيولاً من الدماء والدموع، سادت قاعات التفاوض ونقاشاتها ساعات من التنافر حيناً والتقارب في أحيان أخرى. وأكثر التروس المعيقة كان التعليق, وكان وراء هذا التفاوض عدد كبير من الدول الصديقة التي سعت بين طرفي التفاوض في تليين موقفيهما وتقريب شقة الخلاف بينهما في اتجاه الوصول إلى اتفاق يجمع الفرقاء السودانيين، ولعل من بين تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها دور منذ بداية الثورة في الدعوة إلى الحوار والتفاوض بين مكونات الثورة والمجلس العسكري، بل أعلنت تأييدها للثورة ومسار الحوار فيما دفعت بعد ذلك بمبعوثها الخاص للشؤون الأفريقية الذي زار البلاد عدة مرات تنقل خلالها بين قاعات التفاوض ومقرات الأطراف داخل السودان وخارجه.
ولتأكيد وجود واشنطن وممارستها الضغط على طرفي التفاوض، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتعيين مبعوث خاص للسودان، هو دونالد بوث لتأكيد اهتمامها بتطورات الأوضاع الداخلية للسودان، وتأكيد أن السودان بموقعه الجيواستراتيجي يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للعلاقات الدولية خاصة في منطقة القرن الأفريقي. ولذلك قام المبعوث الأمريكي دونالد بوث بزيارات ماكوكية للبلاد استطاع من خلالها تقريب وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، تلك الخطوة التي قادت بدورها الطرفين للوصول إلى نهايات قريبة.
ويبدو أن التوقيع بالأحرف الأولى خطوة تنظر إليها الولايات المتحدة الامريكية بكثير من الاهتمام، لجهة أنها ستقود لأول مرة إلى قيام دولة مدنية تراعى فيها مصالح السودان بغض النظر عن التقاطعات الإقليمية والدولية، ولأن خطوة التوقيع بالضرورة ستقود إلى مطالبة الولايات المتحدة برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى جانب رفع كل القيود الاقتصادية المطبقة على السودان منذ أكثر من (20) عاماً، فإن أمريكا من خلال ابتعاث مسؤول رفيع إلى الخرطوم يتوقع وصوله غداً الأربعاء، وهو وفق مصادر إعلامية هو وكيل الشؤون السياسية بالخارجية الأمريكية ديفيد ماكلين، عقب التوقيع على اتفاق تسليم السلطة إلى مدنيين، تريد من الزيارة تأكيد مطلوبات تطبيع العلاقات بين البلدين، ورغم أن التكهنات الأولى قبل الزيارة أكدت ان المسؤول الامريكي يحمل في حقيبته بعض الشروط للتطبيع مع السودان، إلا أن مراقبين يرون أن الخطوة تأتي لتأكيد استعادة الولايات المتحدة الأمريكية دورها في السودان الذي فقدته منذ (30) عاماً .
تحسس مصالح
ربما الدوافع الاقتصادية الكبيرة واحدة من الأهداف التي تقف وراء زيارة المسؤول الأمريكي للخرطوم، خاصة أن الشركات الأمريكية التي فقدت موقعها واستثماراتها في السودان، مارست ضغطاً كبيراً على الإدارة الأمريكية من قبل إبان النظام السابق بتضرّرها من دخول الشركات الصينية والروسية وغيرها، والاستثمار في السودان، وبالتالي مع تغيير النظام في السودان تريد أن يكون لها السبق في الوصول والاستثمار في الأراضي السودانية.
ولعل ما يجعلها تستعجل ذلك، هو رفع اسم السودان من قائمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، ولكنها أبقت عليه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولذلك من الشروط التي يحملها المسؤول الأمريكي للسلطة المدنية بالسودان لرفع اسم السودان من تلك القائمة ضرورة المحافظة على المصالح الاقتصادية الأمريكية بالبلاد.
خطوة أولى
كشفت مصادر مطلعة لـ”الصيحة” أن بعض الأعضاء في الكونغرس الأمريكى طالبوا الأسبوع الماضى الإدارة الأمريكية بسرعة التحرك لدعم التحول السلمي في السودان، وتحقيق الديمقراطية التي نادى بها شعبه، واعتبرت مصادر دبلوماسية تحركات أعضاء الكونغرس تجاه التحول في السودان بالخطوة المهمة لرفع العقوبات واسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لجهة أن الرفع لن يتم بغير قرار من المشرعين الأمريكان.
ووصف المصدر الدبلوماسي في حديثه لـ”الصيحة” الأجواء الراهنة فى السودان بأنها مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتحرك إيجابى من قبل الإدارة الأمريكية تجاه السودان، واتخاذ خطوة عملية بأسرع ما يمكن لدعم عملية التحول، ورأى أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشؤون السياسية المرتقبة للبلاد تأتي في وقت مهم تجعل المسؤول الأمريكي يقف بنفسه على حقائق الأشياء من طرفي المعادلة في السودان المجلس العسكري وقوى التغيير، والتأكد والاطمئنان على ما تم ويجري، ويرى أن الإدارة الامريكية مطلوب منها القيام بثلاثة أشياء أسياسية للدفع بتحول ديمقراطي حقيقي ومستدام في السودان، أولها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب، وثانيها محاولة تخفيف عبء الديون المتراكمة التي بلغت حتى الآن 65 مليار دولار، وذلك بمساعد تحرك مشترك من قبل الخرطوم وجوبا، والإسهام في إعفاء فوائده الكبيرة خاصة وأن جملة أصل الدين لا تتجاوز الـ (19) ملياراً، فضلاً عن إعادة جدولة الأصل.
فيما يمثل المطلب الثالث ممارسة الضغط على حملة السلاح والحركات المسلحة للانخراط في عملية التحول الديمقراطي. ولفت إلى أن الديمقراطية السابقة فشلت بسبب رفض القوى المسلحة الانخراط في العمل الديمقراطي، مشيراً إلى أن الجبهة الثورية ما زالت لديها تحفظات، وعلى الجانب الأمريكى الضغط على قادتها للانخراط في تسوية سياسية تجعل من ثورة التاسع عشر من ديسمبر تجسيداً لديمقراطية حقيقية على أرض واقع السودان، وينعم بها شبابه وكل شعبه التواق للحرية والديمقراطية.
الوقت مهيأ
وصف مصدر مسؤول بوزارة الخارجية، تحدث لـ”الصيحة” أمس، زيارة المسؤول الأمريكي المرتقبة بالمهمة، لجهة أنها تأتي عقب التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، لافتاً إلى أن واشنطن لعبت دوراً كبيراً ومهماً في التوصل للاتفاق وجزءاً من جهود كبيرة دفعت للتوصل إليه بين الطرفين، وأشار إلى أن واشنطن رحّبت بتوجّه السودان الجديد نحو الحكومة المدنية، وأشار إلى أن زيارة مساعد وزير الخارجية للشؤون الخارجية، تعد الزيارة الأرفع بعد زيارة نائب وزير الخارجية سلفان في عهد وزير الخارجية السابق البروفسير إبراهيم غندور.
وتوقع المسؤول حدوث نتائج إيجابية للزيارة، ونفى بشدة أي شروط جديدة يمكن أن يحملها المسؤول للسودان، وقال إن واشنطن ظلت حريصة جداً على الإسراع بالتوصل لاتفاق وساهمت بفاعلية في النتائج التي تحققت، وعبّر عن أمله في أن يتم ترفيع التمثيل الدبلوماسي خاصة وأن الظروف والأجواء تبشر بأن العلاقة الثنائية بين الخرطوم وواشنطن موعودة بحدوث اختراق إيجابي على كل الصّعُد.