صلاح الدين عووضة يكتب : العبيط أهو!
31 يناير 2023
والجمع عبطاء..
ولاعب الزمالك – الشهير – علي خليل اشتهر بهتافٍ عبيط ضده أيام مجده..
وكان من تلقاء جمهور الأهلي نصه: العبيط آهووو..
ولكنه لم يكن عبيطاً – أبداً – وإنما أحد أخطر هدّافي مصر في زمانه..
ومن شدة غيظ الأهلاوية منه خصوه بالهتاف هذا..
وذلك كيما يصير عبيطاً بالفعل فيرتاحون من خطورته..
تماماً كما كان أنصار الهلال – هنا – يغتاظون من كمال عبد الوهاب..
ويُحاولون – من ثم – استثارة غضبه..
أما العبيط الحقيقي – في نظري – فقد كان أي فيلم هندي يُعرض بحلفا..
وكذلك عبطاء مَن يذهبون لمشاهدته..
وما كنت اتخلّف عن الشلَّة في الذهاب للسينما إلا حين يكون الفيلم هندياً..
وتعجز كل حيلهم معي عن إقناعي بتغيير موقفي..
لا جمال الممثلات يُجدي… ولا روعة الأغاني… ولا خلاعة الرقص..
كل ذلكم كان قمة العبط في نظري..
بل إنّ الرقص هذا بالذات كان أحد أهم أسباب نفوري من الأفلام الهندية..
وعلى عكس رفقائي كنت أراه رقصاً عبيطاً..
وحين بت أحضر مباريات المريخ كان إحماء أبي داؤود يذكرني به..
وما بين كل فاصل رقص وآخر تضيع معالم القصة..
هذا إن كانت هنالك قصة للفيلم أصلاً..
وذات مساء نجح أصحابي هؤلاء في جرجرتي إلى فيلمٍ هندي..
وقالوا إن نصف عمري ضائع إن لم أشاهده..
أغروني بهريسة حلواني الخيرات – مع الحليب – إن استجبت لرجائهم..
ومن لم يذق الهريسة هذه فنصف عمره ضائع..
وضاعت ثلث ساعة من عمري – فعلاً – قضيتها مع أحداث فيلمٍ عبيط..
ثم تسلّلت خارجاً دون أن يشعر بي أفراد الشلة..
وضاعت كذلك – طبعاً – الباسطة بالحليب… والهريسة بالزبادي..
فكانت أول – وآخر – محاولة لحضور فيلمٍ هندي في حياتي..
وكل الحكاية العبيطة هذه سردتها من وحي مقابلة مع صديقٍ قادم من الهند..
وكان رأيه مطابقاً لرأيي حيال الأفلام الهندية هذه..
وحكى لي عن نقاش دار بينه وبين زميلة هندية عن عبط أفلام بوليوود..
وشتان ما بين بوليوود… وهوليوود..
وقال إنها جميلة جداً؛ مثل جمال ممثلات مهبتيكهي..
وفضلاً عن ذلك مثقفة؛ وتشغل منصباً مرموقاً في هيئة خاصة بالبحوث..
ومحور النقاش كان عن عبط الأفلام الهندية..
فاستشاطت الهندية غضباً – يقول – إلى حد اصطباغ عينيها بلون الشفق..
أو لون الشعار السياسي الذي كانت تدين له بالولاء..
وقالت له إن كانت أفلامنا عبيطة فنحن متطورون سياسياً… وعلمياً… واقتصادياً..
وشرحت له أوجه التطور هذا… رغم علمه به..
حدثته عن الديمقراطية… وعن الأقمار الصناعية… وعن الصواريخ النووية..
وعن الحريات… وحقوق الإنسان… وتداول السلطة..
وعن أبحاث الفضاء… والطب… والأدوية… والقوانين… وما تحت الثرى..
ثم سألته بسخرية موجعة: فأين غير العبطاء منا؟..
وتعني – بالطبع – شعبه مقارنة بشعبها؛ ودولته قياساً إلى دولتها..
ثم ضاعت من أمامه؛ كما ضاعت الكلمات من لسانه..
فانتبه – آنذاك – إلى أن ثلث عمر استقلال بلده قد ضاع جراء عبطاء السياسة..
كما ضاعت ثلث الساعة تلك من عمري جراء فيلمٍ هندي..
كما ضاع ثلث عقلي جراء سماعي كلام الهندية – الموجع – هذا لصديقي..
وتذكرت – لحظتها – هداف الزمالك علي خليل..
فكم هو مظلوم بذاك الهتاف الذي ما كان يستحقه… وإنما نستحقه نحن..
فما من هتافٍ يُناسب العبطاء أفضل منه:
العبيط أهو!.