أبو عاقلة محمد أماسا يكتب : رسالة إلى جبريل إبراهيم وحركات دارفور.. اتركوا مُواطني كنابي الجزيرة ولا تنغصوا عليهم حياتهم..!!
30 يناير 2023م
* ما الذي يستفيده مواطن (الكنابي) من تصعيد قضيتهم لتحتل جزءاً من المنابر السياسية؟.. سؤال مهم وملغوم يدور بخاطري منذ أن بدأ بعض الفاشلين من سياسيي دارفور بالزّج بموضوع الكنابي في المزايدات والتعقيدات الجارية على الصعيد السياسي، والمتاجرة بمجموعات كان نزوحها من مناطقها في الأساس بسبب ما صنعه بهم الفاشلون من أبناء جلدتهم.. وقد هربوا من هناك لأسبابٍ متفرقةٍ، بدأت منذ مجاعة منتصف الثمانينات، والتي شهدت هجرة مئات الآلاف إلى وسط السودان، ليس من دارفور وحدها، بل من كافة الدول المجاورة، واستفاد الأجانب منهم من تشابه البيئة والتداخل القبلي القائم ودخلوا وتوغّلوا حتى وصلوا إلى الجزيرة، حيث المشروع المروي واستقروا هناك في قرى سميت في الغالب بأسماء مناطقهم الأصلية.. وهي أسماء لا توجد في السودان القديم.
* الظروف التي هاجر فيها هؤلاء الناس لم تكن ظروفاً عادية، ولم تحدث انتهاكاتٌ بالمعنى الذي يُريد سياسيو الغفلة المُتاجرة بها، وأنبه إلى أن لغة الحركات المسلحة التي يُريد جبريل وبعض رموز الفشل في إدخالها في كنابي الجزيرة من شأنه أن يضر بمصالح البسطاء الذين دفعت بهم الظروف إلى المشروع وبدأوا فيه كعمال يوميات و(ضحوات)، وجرى التطوُِّر الطبيعي لحياتهم إلى أن تملّكوا الأراضي داخل القرى والمدن، وشيّدوا أفضل البيوت، وامتلكوا السيارات والحواشات، وانصهر بعضهم مع أهل المنطقة وتصاهروا وتناسلوا، بل تعلم أبناؤهم ودخلوا الجامعات وتحسّنت أوضاعهم بصورة ما كانت لتتوفر لو أنهم انتظروا جبريل إبراهيم وقيادات دارفور التي أحالت ذلك الإقليم فاحش الثراء إلى جحيم يُوزّع الموت فيه بالمجان، وأنا في هذا المجال ليس بمجتهد يكتب بناءً على معلومات سماعية، بل جزء أصيل من قصص الهجرة من الغرب والاستيطان بالجزيرة، وإن كنت مولوداً ومترعرعاً فيها، ولكن الحق يُقال.. هذه الجزيرة وفّرت لنا ظروفاً ما كانت لتتوفر لو بقي آباؤنا في مناطقهم، والعيش في المدن وقرى الوسط لا يُقارن من حيث فرص الحياة والتعليم والتثاقف مع قبائل أخرى، وللجزيرة علينا حقٌ أدبيٌّ ومعنويٌّ، هو جزءٌ من حق الوطن الكبير..!!
* الكنابي التي يقصدها بعض تجار السياسة ضمت مواطنين، بعضهم اختار بنفسه العيش هناك واستفاد من فرص العمل في مشروع الجزيرة ووفّقه الله وامتلك الحواشات، ومنهم من اختار الإقامة في المدن والقرى وعانى في البدايات ولكنه تطوّر مع مرور الأيام وامتلك البيوت أُسوةً بقبائل الجزيرة المعروفة.. أمّا الحديث عن الاضطهاد والمظالم فهي محاولات للمتاجرة والمزايدة السياسية، بل فتنة سيكون المُتضرِّر منها مواطن الكنابي نفسها..!
* الكنابي ذاتها ولمن يعرفها لم تعد هي نفسها الكنابي في الثمانينات، وبعضها شهدت تطوُّرات ديمغرافية مهولة، وزحفت القرى على الأخرى واحتوتها، وأخرى حدث لها تطوُّرٌ كبيرٌ في الخدمات من آبار لمياه الشرب وكهرباء ومدارس.. وتحسّنت ظروفها بشكل مشهود، أما الحديث عن الأراضي، فالفتنة التي أطاحت بالأمن والأمان في دارفور كانت (الحواكير) والأراضي، والسودان ككل معروفٌ بمناطق القبائل والإثنيات، وإذا سافر أحد مواطني الجزيرة إلى مناطق جبريل إبراهيم مثلاً وأراد أن يمتلك أرضاً، فإنّه سيُواجه بعشرات العقبات والاعتراضات!!! وإذا حكمت ظروف أحدهم وألقت به إلى مناطقنا نحن في جبال النوبة، ستعترض بعض المجموعات المنغلقة على تواجدهم!!! والسودانيون بصفة عامة يهاجرون إلى شتى بقاع المعمورة ويعانون من تبعات الهجرة.. ومهما وجدوا من دعة ورغد في العيش، فإن حريتهم تكون منقوصة عما هي عليه في أوطانهم..!!
* أذكر في هذا السياق، إنني كنت أسافر من أبو عُشر إلى قرية في عمق الجزيرة تسمى (الفكي حامد)، وهي آخر قرى ريفي أبو قوتة شرقاً، وذلك لقضاء إجازات المدارس مع عمتي شقيقة والدي، وقد اختارت مع زوجها وأبنائها الإقامة في تلك القرية التي لا تُوجد فيها سوى قبيلة (الكواهلة).. ولكن عمي جبريل محمد إيكا.. زوجها.. الرجل المتصوف وأحد حيران شيوخ طابت الشيخ عبد المحمود ورتبته الصوفية (مقدم)، والذي هاجر من قرية (كرمتي) في جبال النوبة، اختار الإقامة هناك، وامتلك بيتاً في قرية الفكي حامد وسط الكواهلة، وكان بص أبو قوتة – مدني يمر قاطعاً أرضه إلى نصفين.. وعاشت الأسرة هناك على أفضل ما يكون، وتجمعهم علاقات ممتدة مع تلك الأسر حتى يومنا هذا.. والكواهلة كقبيلة فيها من الكرم والفراسة ما يستحق المدح بكتب ومجلدات..!!
* داخل مشروع الجزيرة مجموعات من القرى الصغيرة والكبيرة تقطنها قبائل أخرى غير دارفورية.. وظروفها من ناحية خدمات صحية وتعليمية أسوأ بكثير مما هي عليه في الكنابي التي يقصدها سياسيو الغفلة والمُتاجرون بقضاياها، وهم الذين فشلوا في تقديم أبسط مقومات العيش الكريم لمن بقوا بدارفور، وبسببهم نزح البقية ليلحقوا بإخوتهم في الجزيرة، فكيف تمتد أياديهم بالخير لمن نزح من هناك بسببهم وبسبب الجنجويد وأفعالهم واستوطنوا بالجزيرة…؟!
* رسالتي إلى جبريل إبراهيم وبقية حركات دارفور المسلحة، أن اتركوا كنابي الجزيرة في حالها، فمواطنوها قد عرفوا معنى الحياة المستقرة والآمنة هنا، وتطوّرت أوضاعهم بشكل طبيعي، وامتلكوا وتملّكوا وعاشوا وتعايشوا مع الظروف والأرض وأصبحوا جزءاً من إنسان الجزيرة وتطبّعوا بطباعها.. فلا تنغصوا حياتهم بالمُتاجرة بقضيتهم..!!