الحزب الشيوعي ركَّاب سرجين ..!
لن ينخدع أحدٌ بموقفِ الحزب الشيوعي من الاتفاق المُبرم حول الإعلان الدستوري الذي تمّ التوقيعُ عليه بالأحرُف الأولى أمس، ولا بموقف الحزب العجوز من الاتفاق السياسي الذي مَهّد الطريق للوثيقة المُوقّعة التي وقّعها ويا للعجب أحد كوادِر الحزب الشيوعي في تجمّع المهنيين – قطاع المعلمين، فموقف الحزب الشيوعي مفهوم وغير غامض على الإطلاق، فقد درَج الشيوعيون على فعلِ الشيء ونقيضِه، يُفاوِضون في قاعة ويهتفون ضدها خارجها، يُصافحون بيدٍ ويطعنون في الظهر باليد الأخرى، وكل تاريخ الحزب الشيوعي هو مجموعةٌ من الخِيانات المُتكرّرة للحُلفاء وممارسة السياسة على سبيل الخداع، فلا يوجد حزب حِربائي مُتلِّون مِثلُه، يُخادِع الآخرين وما يَخْدَع إلا نفسَه دون أن يشعُر.
ما يفعله هذا الحزب سبق وأن جرّبه بعد ثورة أكتوبر في 1964، عندما اعتمد على واجِهاتِه وخاصة جبهة الهيئات، يُعلِن للساحة السياسية وقتها خلاف ما يُبطن، ليحقِّق أكبر المكاسب كما يراها ويستغفل الآخرين الذين معه. وفعل نفس الشيء قُبَيل انقلاب مايو عندما خادَع القوميين العرب وبقية اليسار واستأثَر بكلِّ فوائد الانقلاب، ثم خادَع مايو التي كان وراءها ليُنفّذ انقلابه في يوليو 1971م حتى حلّت به الكارثة. وفي أبريل 1985 عَقِب الانتفاض على نظام جعفر نميري كان للحزب ذات الأدوات والطريقة، ملأ الساحة السياسية ضجيجاً وزعيقاً وصَنَع عدة واجهات من خلال التجمّع الوطني الديمقراطي، لكن الفترة الانتقالية كانت بؤساً عليه، وها هو الآن يفعل ذات الشيء بِعِدّة واجهات، يُعلِن أنه ضد الاتفاق، وهو باقٍ داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، ثم يُعارِض الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، ويتبنّى العمل الجماهيري المُعارِض بينما كوادره تعمل في قوى إعلان الحرية والتغيير بواجِهات ومُسمّيات مُختلفة، وتسعى إلى الهيمنة على كامل الفترة الانتقالية.
يفعل الحزب ذلك.. حتى يضمن لنفسه البقاء في الحكومة والمُعارَضة، ليلعب على الجميع، وهي خِدعةٌ قديمة بالِية لا تنطَلِي إلا على المُغفَّلين، لا يُريد تحمُّل أية مسؤولية في الفترة الانتقالية، ولا تجربة الحكومة المدنية المُقبلة التي يُتوقّع أن تُواجِهها صعوبات بالغة في إدارة البلاد خاصة في مجال حفظ الأمن وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من خبزٍ ووقودٍ وبقية الخدمات، كما أنها تُواجِه أسئلة الشارع حول كيفية تجاوُز الأزمة الاقتصادية ومعالجتها وتعويض المواطنين عن حالة الاختناق والفقر والعَوَز، ويعلم الشيوعيون أن الحكومة المُقبلة ستُواجِه سخَطَ الشارِع مباشرةً بعد استلام مهامِها، لأن سقف المطالب والطموحات التي ساهَموا هُم في صِناعتها وإيهام المواطنين بها وتصويرها للشارع، لن تتحقق بين يوم وليلة، ولن تُفلح أي حكومة في تجاوُزها بسرعة، ويعتقد الشيوعيون أن الشارع سيثور ضد الحكومة، ولا يريدون تحمل أية مسؤولية مع الآخرين حيالها، وهو موقف جبانٌ متخاذِل نابِع عن عقيدة الماركسية نفسها التي لا تُؤمِن بالقِيمِ والأخلاق والثبات على المواقف والمبادئ والشهامة والمروءة السياسية.
لذا ليس غريباً أن يظهَر الحزبُ الشيوعي بهذه الصورة المُخزِية الباهِتة التي تُمثّل خيانةً لحلفائِه وتهديداً للتحالُف الذي نشأ، وسيعمل الحزبُ حسب بياناته على تأزيم الشارع بدعوى أن السلطة القائمة على خلفية الاتفاق ليست سُلطة مدنية، ولا تزال تحت سيطرة المجلس العسكري، كما أن القوات النظامية الأخرى وفي مُقدِّمتها الدعمُ السريع لم تخرُج من المدن وباقية لم تُحَل، وكذلك جهاز المخابرات والشرطة لم يطرأ عليها أي تغيير يُذكَر، ستكون دعاية الحزب السياسية هي هذه القضايا وقضايا أخرى، وكل الغرض منها هو جعل الفترة الانتقالية جحيماً في ظنهم أن الأمور ستكون لصالحهم في نهاية الأمر، لكن الحقيقة غير ذلك، فالحزب يؤمن بالدم والدماء، ويعمل في الخفاء على نشر العُنف والتمهيد لعمل عسكري تقوم به كوادره وكوادر بعض الحركات المسلحة التي تنسّق معه، لكن كل ذلك إلى بوار وسيُهزَمون شرَّ هزيمةٍ، وستفشل كل مُخطَّطات الحزب، لأن للشعب ذاكرة وبصيرة، ولن يُفلح ساحرهم حيث أتى….