*في العام 2016م كُنت برفقة وفد إعلامي ضخمٍ لزيارة سد النهضة بالشقيقة إثيوبيا وهو الهدف الرئيسي للزيارة، وعلى شَرَفِه كانت هناك العديد من الزيارات لمُدن ومشروعات هذه الدولة الصديقة.
*ربما من حُسن حَظنا أنّ رحلتنا إلى إثيوبيا كانت عبر الطريق البَرِّي مِمّا مَكّنَنا من الاستمتاع بالطبيعة الخلاّبة لهذه الدولة، وكذلك الوقوف على جودة ومَتَانَة البنى التّحتيّة لها في العديد من المُدن التي زُرناها وأقمنا في بعضها ليلة.
*رأينا كيف يكسر الإثيوبيون حاجز المُستحيل وهم يفجون الجبال للزراعة، وكيف هم يُوصِّلون الليل بالنهار من أجل تَحقيق مُبتغاهم، ووقفنا على عَدَدٍ من الصُّروح التي شيّدتها أيدي الحادبين على أوطانهم من أجل دَولةٍ قَويةٍ ومَنيعةٍ لا يخترقها الضعف والهوان.
*إثيوبيا تسير بخُطىً مُتسارعةٍ للقِمّة بفضل تَكَاتُف أبنائها في الداخل والخارج، وقويت شوكتها لضعف الفساد في قادتها، وتصويب جُل تفكيرهم في بناء دولة جميلة يقصدها أهل أفريقيا وغيرها من القَارات.
*أمس وأثناء التوقيع الرسمي على الوثيقة الدستورية، رأينا دموع الرجال وهي تنهمر دُون استئذانٍ، وننتظر أن تكون دموع الفرح هذه هي البداية لسودانٍ آخر غير الذي كان في سَابق السَّنوات، نُريد سُوداناً قوياً باقتصاده ومَنيعاً بغِيرَة أبنائه، سُوداناً تكون به مُؤسّسية وشفافية وانعدام للفساد.
*السودان الذي يحلم به الجميع بالإمكان أن يَتَحَقّق ونحن نمتلك أفضل أرضٍ زراعيةٍ لا تحتاج فيها لشق الجبال ولا البحث عن المياه.
*في إثيوبيا لديهم حوافز للمُغتربين عن ديارهم تتمثّل في منحهم شققاً بأسعارٍ زهيدةٍ حينما يصل مبلغ التحويل الدولاري إلى حدٍّ مُعيّنٍ، وبالإمكان انتهاج نفس الأسلوب مع مُغتربي السودان الذين يفوقون الملايين في أنحاء العالم.
*عقب الوصول لاتفاقٍ بين العسكري والتغيير، كانت هناك رسالة في وسائل التّواصُل الاجتماعي كَافّة، رسالة صوتية حسب “حلايب نيوز” باسم الأكاديمي السُّوداني د. هشام حمزة، وهو من المُقيمين بدولة ألمانيا، وفحوى الرسالة التي انتشرت كثيراً، يقول إنّ مُغتربي أوروبا من أهل السودان ﺠﻬّﺰوا “70 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﻳﻮﺭﻭ” ﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، منها “10 ﻣﻠﻴﺎﺭات ﻳﻮﺭﻭ”
ﺳﻴﺘﻢ ﺿﺨﻬﺎ ﻣُﺒﺎﺷﺮﺓًً ﻓﻲ ﺑﻨﻚ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ لتسهم في تقوية الجنيه السُّوداني.. وﻣُﺘﺒﻘﻲ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺳﻴﺘﻢ ﺻﺮﻓﻬﺎ لإﻗﺎﻣﺔ ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﻗﻮﻣﻴﺔ.
*الفكرة مُمتازة، وإن فكّر أبناء السُّودان في الدول العربية بذات النهج مؤكّد أنّ السُّودان لن يحتاج لوَقتٍ طَويلٍ حتى يصبح في قمة الدول العربية والأفريقية.
*د. هشام حسب الرسالة وضع خُطة لنهضة السودان تبدأ بإنشاء (4) ﺧَﺰّﺍﻧﺎﺕ ﻟﻠﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﺑﻐﺮﺏ ﺍﻟﺴُّﻮﺩﺍﻥ، ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻓﺘﺢ ﺧُﻄُﻮﻁٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻭﺩ ﺑﻐﺮﺽ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ، ﻭﺳﺘﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣَﺮﺍعٍ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻟﻠﻤﺎﺷﻴﺔ، وإﻧﺸﺎﺀ ﻣﺼﺎﻧﻊ عديدة ﻭإعادة ﺗﺄﻫﻴﻞ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ وزراعة اثنين ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻓَﺪﺍﻥ ﻗَﻤﺢ، ﻭإنتاج ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ.. ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻛﻼماً ﻫﻼﻣياً، ﺑﻞ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ.
*حسناً.. الإنجليز حينما كانوا في السودان مُدركين أنّ هذه البلاد بها الكثير من الخيرات، وكانت لهم دراساتٌ لجعل السودان في قمة الدول والاستفادة من خيراته هذه لبريطانيا، وقد يرى البعض أنّ الحديث عن خيرات السُّودان ليس سوى “ونسة” ولكنها الحَقيقة التي لَم يَعمل بها أهل الإنقاذ ومن سبقوهم في الحُكم.
*إن فكّر أبناء السودان في البناء والإعمار فلن يجدوا صُعوبةً في إنشاء دولةٍ قويةٍ يَصعب التّأثير عليها اقتصاديّاً، فجميع مُقوِّمات الصُّعود للقمّة مُتوفِّرة وتَبقى فقط الإرادة والنّزاهة والشّفافية في التّعامُل بالداخل والخارج.
*وإن كان شعار ثورة ديسمبر هو “تسقط بس”، فالمَرحلة المُقبلة يجب أن يكون شعارها “عَمل بس” دُون التّفكير في المَصَالِح الشّخصيّة الرّخيصة لمن هُم قادمون الى السُّلطة.
*الشعب السوداني عَانَى كَثيراً خلال السّنوات المَاضية، ونسأل الله تعالى أن يكون توقيع الأمس هو النهائي لهذه المُعاناة التي شَمَلَت مناحي الحياة كَافّة.