إنّ التوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري الانتقالي وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير، وإعلان الجدول التتفيذي لبقية المراحل التي ستتم خلال المرحلة المُقبلة، يُعتبر خطوة لبداية المرحلة الجديدة لزراعة الأمل والفتح للشعب السوداني الذي انتظر كثيراً، ويجب على الجميع أن يُقابلوا هذا الاتّفاق بحقيقته وإن كانت مُرّة، وبالضرورة مُلامسة إيجابياته وإبراز تحدياته بغرض تسوية كل النتوءات والحفر التي على مساره، وليس على طريقة القبلات التي تتطاير في اتجاهات عديدة هذه الأيام احتفالاً بالدولة المدنية وبتلك الصورة التي تبدو أحياناً صاخبة وماجنة أكثر مِمّا يلزم.
ولا بُدّ للعقل الوطني الجمعي المُسترخي أن يصحو لمُواجهة تحديات هذا الاتّفاق وإنقاذه من السُّقوط حتى لا نكرِّر أخطاءنا الماضية، نيفاشا ليست ببعيدةٍ، الطرفان فشلا في تسويق إيجابيات الاتّفاق وجعل الوطنية جاذبيةً، لا بُدّ من إفساح المجال للاتّفاق كي يتمدّد ليُعالج قضايا الوطن العنيفة وأبرزها قضية الحَرب والسَّلام.
وفي تقديري، إنّ أولى المُغامرات التي تنتظر تنفيذ هذا الاتّفاق هو مُحاولات بعض قِوى الحُرية والتّغيير المُستميتة، لوضع شريكها المجلس العسكري في خَانَة المُتّهم والمُجرِم وأن يُوقّع ضَحية أيِّ تقصيرٍ يتم قَبل وأثناء تَنفيذ الاتّفاق والتّهديد المُستمر لقِوى الحُرية والتّغيير بأنّها سَوفَ تستخدم الشّارع لِحسم أيِّ نِزَاعٍ أو خِلافٍ، مما يضطر الشريك الآخر إلى البحث عن بديلٍ وشريكٍ آخر أكثر ثقةً وهذا يؤدي إلى سُرعة انهيار الاتفاق والتّشاكُس والتّنازُع، لحظتها سيحبط الشعب السوداني! فلا بُدّ من صناعة شراكة حقيقيّة تبدأ بالالتزام باتفاق أخلاقي يَسبق مَرحلة تنفيذ الاتّفاق يتضمّن الاتّفاق على شَكل ومَضامين ووسائل الخطاب الإعلامي والتّعبير السِّياسي حتى لا يكونوا شركاء مُتشاكسين، كَمَا على قِوى الحُرية والتّغيير إقناع كل مُكوِّناتها بالاتّفاق وإلزامها بِهِ، وعَلَى رأس هذه المُكَوِّنَات تَجمُّع المهنيين والحزب الشُّيوعي اللذين يُعَارِضَان أيِّ اتفاقٍ وأيِّ خطوة إيجابية تتم بين المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير.. أما الخطر الثاني على الاتّفاق هو مُحاولة بعض قِوى الحُرية والتّغيير ومن خلال تصميم الاتّفاق، جعل المجلس السيادي شرفياً وتحويل كل المهام والصلاحيات إلى سُلطة مجلس الوزراء، فهذه الخطوة إذا تمّت ستولد الشكوك والغُبن بين الشريكين وربما تصنع تَكتُّلات بين العسكريين داخل الحكومة وتستيقظهم بكل مُكوِّناتهم الأمنية لحماية أنفسهم من الاستهداف الواقع عليهم وهم يُحاولون انتزاع أدوارهم وقطع الشريط المَطَاطي بينهم وقِوى الحُرية والتّغيير وفرض أنفسهم على المشهد، فهذا إذا جرى سيُؤثِّر على الاتّفاق ويجعله هَشّاً وغير قادرٍ على الصمود، وفي هذه الحالة ستنهض القِوى السِّياسيَّة المُناهضة للاتّفاق، الحَيّة منها والمُتكلِّسة لتُحاول القيام من جديدٍ بعدما سقطت على الأرض والاستفادة مِن حَالَة الفَرَاغ الذي سَتخلفه النِّزَاعات المُتوقّعة بين العسكري والحرية والتغيير من خلال ما نسمعه من أصواتٍ مُرسلةٍ، وعلو كعب البعض من مُنتسبي الحُرية والتّغيير وتقليلهم من وجود العسكري الانتقالية والمُلاحظة بعد الاتفاق تغيير النغمات وتبايُنها داخل أجسام مُكوِّنات قِوى والتغيير وتنامي حالة الرفض لاتّفاق الجبهة لاتفاق الفصيل الأصيل في الحُرية والتّغيير نُموذج للصرخات المُبكِّرة التي تشير إلى نقاط ضعف الاتّفاق وَعَدَم التّوافُق عليه وهي صرخات ضمن بكاءٍ كَثيرٍ تحتاج إلى عِلاج واستدراك أثناء المهلة ما بين التوقيع بالأحرف الأُولى والتّوقيع النِّهائي وتَضمينها في الاتّفاق كَملاحق وتَوفيق أوضَاع القَضَايا لم يَشملها الاتّفاق.
لا بُدّ من حواراتٍ جَادّةٍ وعُقولٍ وأذهانٍ مفتوحةٍ تسمع بإصغاءٍ لما يدور هَمساً حتى لو كانت تلك الرؤى أحلاماً تصدر من أناسٍ خالدين في سابع نومة.
نُواصل إن شاء الله