“الموساد” في السودان حقيقة أم مُزايدة؟
نظام مايو اكتشف جاسوساً وحاكَمه بعد ضبطه في دورة مياه
أمن الإنقاذ اعتقل سودانياً عائداً من إسرائيل بتهمة التجسّس
مصر كشفت العديد من الجواسيس وحاكمت صحفياً شهيراً بالتجسس في عهد عبد الناصر
هل يوجد عملاء للمخابرات الإسرائيلية في السودان؟ ربما لأي مجيب عن هذا السؤال من الطبيعي أن يجيب بالإيجاب حتى وإن لم يكن يمتلك المعلومات المؤيدة لذلك، بالنظر إلى علاقات إسرائيل بالعالم العربي والإسلامي العدائيةـ والجفوة الموجودة بين الجانبين، وحرص إسرائيل أن تكون لها عيون في تلك المحاور الإقليمية سيما دول المواجهة معها، وقد وضح هذا الأمر في مصر خاصة في الفترة التي سبقت حرب 1967 بين إسرئيل ومصر بمشاركة دول عربية، حيث تمكنت المخابرات المصرية من تفكيك عدد من مجموعات الجواسيس بعضها تحول إلى قصص سينمائية.
كما اتهمت المخابرات المصرية الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل بتهمة التخابر مع إسرائيل، وتمت محاكمته بالسجن إبان تلك الفترة حتى أطلق سراحه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
ولعل بُعد السودان الجغرافي عن إسرائيل لم يكن يجعلها تعطي هذا البلد الغني بموارده اهتماماً كبيراً في سلم مخططاتها الاستخباراتية، لكن هذا لا ينفي أنها في بعض الأوقات لجأت إلى زرع جواسيس لها، وهذا ما أشارت إليه عدد من المصادر الاستخبارية الإسرائيلية في أوقات سابقة.
نقل الفلاشا هل كانت البداية
أوردت مؤخراً القناة العبرية (13) بأن جهاز الموساد والاستخبارات الإسرائيلية وسلاح البحرية عملوا معاً من أجل زرع عملاء للموساد في قلب السودان، وقالت إنه لم يكن لإسرائيل أي عملاء في هذا البلد العربي الإسلامي، معتبرة أن هذا العمل كان أحد الأهداف الرئيسة لجهاز الموساد نفسه.
وأجرت القناة حواراً مع إفرايم هاليفي، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق، جاء فيه أنه كان ضرورياً زرع عملاء في السودان، وبأننا اخترقنا هذا البلد عبر البحر.
وأشارت القناة العبرية على موقعها الإلكتروني إلى أنها “أجرت خلال تحقيقها التلفزيوني من خلال سلسلة لقاءات مع عدد ممن شاركوا في تلك العملية التي استهدفت جلب يهود إثيوبيا، رغم أن “إسرائيل” تشهد حالة من التوتر مع يهود إثيوبيا”.
وجاء في التقرير المصور لقطات قديمة أثناء تهجير يهود إثيوبيا إلى “إسرائيل” عبر السودان.
ونقلت القناة العبرية على لسان داني ليمور، رجل الموساد وقائد العملية أن مئات المهاجرين اليهود ترجلوا لمئات الكيلومترات حتى وصلوا إلى الحدود السودانية، ولم يعلموا ما هو المصير الذي سينتظرهم خلال سيرهم في صحراء جرداء، وذلك كله مع الأخذ في الاعتبار الوضع في إثيوبيا، فقد كانت آنذاك حالة من الفوضى، ولذلك سقطت إثيوبيا من خيارات الموساد لجلب اليهود من خلالها مباشرة”.
وأوضحت القناة قائلة: في سنة 1979، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، القرار بجلب الجالية اليهودية من إثيوبيا إلى “إسرائيل”، حيث كانت تعيش إثيوبيا آنذاك في أزمة صعبة، وتشهد أحوالاً من المجاعة والفقر والإرهاب، ومئات آلاف الإثيوبيين، ومن بينهم اليهود، هربوا من إثيوبيا إلى السودان الجارة لمخيمات اللاجئين، حسب ما نقلت وكالة “سبوتنيك”.
وأضافت “أن قرار تهجير اليهود من إثيوبيا كان يحتاج إلى قرار عاجل وسريع وفي الوقت نفسه سري، إذ نحن نتحدث عن دولة عربية إسلامية، فكيف يمكن اختراقها لتهجير يهود إثيوبيا؟”
وقال الجنرال إيلان بوخريس، قائد العملية الأول: تم تهريب يهود إثيوبيا عبر قوارب مطاطية بارتفاع 12 متراً، كي يتمكنوا من الوصول إلى الشواطئ، رغم أن المنطقة التي أخذوا منها كانت بعيدة عن الشاطئ، لقد أتى هؤلاء اليهود من الصحراء، ولم يعرفوا ما هو البحر، ولم يدركوا ماذا تعني المياه المالحة”.
وأشارت القناة العبرية عبر تقريرها المطول إلى أن عملية تهجير اليهود من إثيوبيا إلى السودان، بدأت في العام 1979، أثناء مرور إثيوبيا بحالة من الإرهاب والفوضى.
ونقلت القناة العبرية على لسان يولا ريتمان، عميلة الموساد حول تفاصيل العملية: عثرنا على قرية في السودان من أجل أن نستغلها كمحطة انتقال، وفي هذه المنطقة كان لدينا خياران اثنان لنقل يهود إثيوبيا إلى “إسرائيل”، وكلا الخيارين كانا مخيفين جداً، وقد كانت هذه القرية بمثابة جنة عدن على الأرض.
وتابعت: تم تدشين قرية لتعليم الغوص في البحر الأحمر، واستخدمنا عمالاً سودانيين لاستكمال المهمة السرية، دون علمهم طبعاً، وكانت طلباتنا من غذاء وماء ودواء تأتي عبر سيارات في الليل فقط، في حالة من التستر التام بعيداً عن أعين الجيش السوداني.
وقال عضو في فريق الكوماندوز البحري الإسرائيلي المشارك في العملية:
إن يهود إثيوبيا لم ينبسوا ببنت شفة، سواء حين وصولهم إلى الشاطئ، أو عند دخولهم القوارب المطاطية، أو حتى خلال مرحلة الإبحار.
وتابع: “رجال الموساد عاشوا أربع سنوات في قلب دولة معادية هي السودان، حيث عملوا داخل قرية، وقد خاطروا بأنفسهم وحياتهم، من أجل أن يأتوا بيهود إثيوبيا (من رجال ونساء وأطفال ومسنين) إلى “إسرائيل”، لأن جلبهم كان يعني تحقيقاً لحلم إسرائيلي بحسب قولهم
العلاقة مع بعض الحركات المسلحة
أوردت دورية AtlanticIntelligence Reviewss الصادرة باللغة الفرنسية في عددها رقم 23 الصادر بتاريخ -29/4/2016 – معلومات استخبارية عن نشاط عميل الموساد جان فرانسوا بليارJean-francois billiard.) في السودان حيث ربطت الدورية ما بين شركة الزهرة التي اتخذت من أديس ابابا مقرا لها ووجود الدبلوماسي الفرنسي ذي الاصول اليهودية في السفارة الفرنسية بأديس أبابا في الفترة ما بين 2007 /2011 والمتزوج من سودانية من شرق السودان، وقد أشارت الدورية إلى أن شركة الزهره هي الواجهة الاستخبارية لجهاز المخابرات الخارجي الإسرائيلي (الموساد)، وهي التي تدير عملياتها الاستخبارية ضد السودان عبر مزرعة لأغراض الاستثمار الزراعي تم إيجارها من السلطات الأثيوبية على الحدود السودانية المقابلة لمدينة القضارف السودانية، في وقت سابق.
وذكرت الدورية أن دور الشركة كان لوجستيًا واستخبارياً، وأشارت إلى أن السيد ليون هالفي مدير الشركة هو جنرال متقاعد من الموساد كان ينفذ عملياتة الاستخبارية بالتنسيق مع بليارد الذي يجد الحماية في الخارجية الفرنسية من اللوبي الإسرائيلي القوي في باريس وداخل مؤسسة الخارجية الفرنسية التي يديرها وزير الخارجية الفرنسي السابق مسيو كوشنير اليهودي المعتق وعدو السودان اللدود، وأحد قادة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يساند إسرائيل.
وأشار التقرير إلى أن الموساد جند في ثمانينيات القرن المنصرم أحد قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال بحسب زعمه عبر أحد عملاء الموساد في إحدى السفارات الغربية في الخرطوم تدور عجلاته السياسية ما بين رئاسة الموساد في تل أبيب وجوبا ونيروبي في رحلات مدفوعة الثمن من المخابرات الإسرائيلية التي زارها في العديد من المناسبات، وكان آخرها في فبراير 2016 بغرض إيجاد الدعم العسكري واللوجستي لقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال منطلقاً من قاعدة عمليات الموساد في مدينة يامبيو بغرب الاستوائية.
كشف الجواسيس في السودان
في استطلاع سابق مع العميد أمن (م) عبد الجليل ريفا كنت قد أجريته معه عن النشاط الاستخباري في العهد المايوي وعما إذا كان جهاز المخابرات آنذاك تمكن من تفكيك شبكة مخابراتية أجنبية، فقال إن المخابرات في ذلك الوقت تمكنت بعد متابعة وإلقاء القبض على أحد الجواسيس المتعاملين مع إسرائيل بعد أن تم ضبطه يستلم أحد المستندات من عميل آخر في إحدى دورات المياه.
نشاط حديث
قالت مصادر المخابرات السودانية في العهد السابق، إنها تمكنت من توقيف أحد أهم عناصر شبكة استخبارية تعمل لصالح الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وهو المتورط الرئيس في تلك العمليات. وبعدما كثّفت الأجهزة الأمنية من عمليات بحثها وتحرياتها معه، تمكّنت من القبض على عدد كبير من عناصر هذه الشبكة التي لم يُحدَّد عدد أفرادها.
وأكد مصدر مطّلع آنذاك أن الأجهزة الأمنية السودانية، تتابع وتراقب بدقة النشاطات التجسسية لإسرائيل منذ فترة طويلة، خصوصاً العناصر السودانية التي تسللت عبر مصر إلى إسرائيل منذ 2002 و2003 وتم تدريبهم وإعادتهم للسودان عن طريق جنوب السودان وبعض دول الجوار، مؤكدة أن الأجهزة ترصد بدقة الشبكات التي تقوم بإرسال السودانيين طيلة السنوات السابقة لإسرائيل عبر سيناء.
وقال الجهاز، إنه يراقب أفراد الشبكة منذ فترة طويلة حتى تم الإيقاع بهم.
وبحسب المعلومات الأمنية، فإن إسرائيل درجت على تجنيد لاجئين غير شرعيين يتم اصطيادهم بعد عبورهم الحدود إلى إسرائيل ثم يودعون في السجون كمهاجرين غير شرعيين، وبعد فترة يفرج عنهم ويوظفون عمالاً في شركات بناء غالباً ما تكون تابعة للجيش الإسرائيلي. ولاحقاً بعد المراقبة، يتم انتقاء بعضهم فيخضعون لكشف طبي ولياقة بدنية، ثم تعرض عليه وظائف حراسات أمنية في إحدى الشركات التابعة للجيش الإسرائيلي، وبعد عملية متابعة ومراقبة يُختار بعض العناصر بدقة وتعرض عليه وظائف كمجندين في الجيش الإسرائيلي، ومن ثم يختار بعضهم، بعد تمحيص وتدقيق وتدريب، للعمل الاستخباري ثم يرسلون مجدداً إلى السودان كلاجئين غير شرعيين غير مرغوب فيهم.
عناصر النجاح
يعتبر خبراء المخابرات أن النجاح في تفكيك شبكات التجسس قبل أن يحتاج إلى الإمكانات المادية والتقنية يتطلب وجود العناصر الاستخباراتية الكفؤة والذكية، فالعمل يحتاج إلى الفطنة التي تتيح للفرد الأمني قراءة الأوضاع داخلياً وخارجياً، فضلاً عن القدرة على الملاحظة وربط الأشياء بحنكة وتحليل الشخصيات المشكوك حولها والابتعاد عن التكبيل في الوقائع الظرفية وحدها واعتبارها مرجعية نهائية للتوصل للمعلومات دون الربط التحليلي المنهجي للشخصية المستهدفة، كما أن التوسع الكبير في المراقبة اللصيقة لا يحقق النتائج المنشودة، بالإضافة إلى الترهّل في تمليك المعلومات لأفراد المراقبة.