مروة علي تكتب: رجل بائس…
مروة علي تكتب: رجل بائس…
لم نتبادل شيئاً طِوال فترة الخمسة أشهُر الماضية، سوى صباحُ الخير، مساءُ الخير، وبعض عِبارات المجاملة، والكثير من النّظرات لا أستطيع أن أسأله لماذا هو على نفسْ الحال، قُرابة النصف عام، وأخافُ أن أجرح مشاعره، كنت أُود لو أستطيع مساعدته، إنه وحيد تماماً، وأنا أعرف جيداً أن الوحدة من هذا النوع قاتلة، لأنها تجعلك تتوهم أنك لستْ وحيداً، وفي الحقيقة أنت عارٍ تماماً، إلا من مقطعٍ صغيرٍ من ذكرياتك، تدور حولك عندما يجِنُ الليل..
لا أدري لماذا يطيلُ الجلوس أمام ذلك المبنى العتيق، لماذا يُغادر فراشه في الرابعة صباحاً يركضُ في الطرقات كمن يُطارد شبحاً، من أجل لا شيء. لماذا لا يحصل على وظيفةٍ له ويترك أمر ذلك التمثال الذي ينكَب عليه في باحة منزله الخلفية كل مساء، بكل حواسة، يرمِمَه ولا ينفك يتحسسه كأنه حي، حتى يُخيل لك أنه يخاطبه أحياناً..
لا يملُ من يومه المكرر، يطعِم قِطته، يسقي أزهار، يُرافقه كلبه في جميع تحركاته، لم أفكر يوماً أن أجعله يصارحني، لأني أنا أفضل من يترجم ملامحه، إهتمامه بالنبات، وترميمه للتمثال الذي يشبه السيدة العذراء، والفرق إن السيدة خاصته لا تحمل طفلاً، يبدو أنها كانت كل أسرته لذلك هو وحيد، أم تُرى يكون هو المسيح، ويحاول أن يبقى طوال الوقت بجوار والدته عن طريق العناية بها، وهي كالأشجار ماتت واقفة وقفة جندي مخلص ولم تفلح الريح في إقتلاعها..
إنه رجلٌ بائس، ووحيد، ولكن لديه فنٌ خاص بالتعامل مع وحدته، يحاول تعويض خسارات الحياة التي لا تُعوّض والتي تأتي مرةٌ واحِدة، كالموت، كتاريخ الولادة، كالكلمات القاسية، والخسارة، والثقة، والحب، هذه الأشياء وأكثر لا تتكرر، مثل الرصاصة لا تعود إلى فوهة المسدس وسيظل الجرح ينزف وإن كانت الرصاصة طائشة، فُقدان الأشياء هو جزء من حياتنا، الأهم هو الاستمرار..
أنا شاهد علي وجعى يقف أمامي الذي هو من نفس فصيلة وجعه.. كيف أقول له لا تحزن من غير أن أجرح مشاعر حزني ومن غير أن أبدو خائنة لإحساسه.. عندما ترى شخصاً شارد البال، تأكد أن داخله عوالم كثيرة من قطط، وتماثيل، وسهر، وأفكار مُخضرّة، وعيونٌ دائمة الجريان..