سراج الدين مصطفى يكتب: شرحبيل أحمد.. سيرة تستحق المراجعة والتأمل!
(1)
حينما أعاين لمحتوى مفردة فنان وأتأملها جيداً.. تجدني لا احتار كثيراً التوقف عند تجربة الفنان العظيم شر حبيل أحمد.. فهو ليس مغنياً فحسب، وإنما مجموعة مبدعين في إنسان واحد.. فهو مبدع شامل ومُتكامل وغير منقوص الأشياء.. فهو فنان مغنٍ.. وملحن على مستوى عال من البراعة والتقنية والمهنية، كما أنه شاعر مُجيد كتب الكثير من الأغنيات.. فهو كذلك رسّام تشكيلي يعرف كيف يوظف اللون لخدمة فكرة اللوحة.. ولعلنا نذكر جميعاً (عمك تنقو) هذه الشخصية الكاريكاتورية التي ابتدعها الفنان العظيم شرحبيل أحمد.
(2)
منذ خمسينيات القرن الماضي وشر حبيل صامد وواقف.. يبدع في كل يوم أفكارا موسيقية وشعرية وتشكيلية جديدة.. ومازال صوته يتمتع بذات الوسامة والقدرات التطريبية العالية.. فهو رغم أنه يبلغ من العمر (77) عاماً لكنه مازال يتمتع بذات دفء الصوت وذات القدرات على التحرك في كل المناطق الصوتية بكل سلامة.. ويعود سر محافظته على صوته أنه يعود لتقيده بالمدى المحكوم ومعرفته بقدراته الصوتية والعمل بما جاء في كتاب التربية الصوتية والالتزام بترك المحظورات من التدخين والمشروبات الكحوليه والأكل الحار وشرب الماء غير المثلج.. والحفاظ على الصوت طيلة هذا الزمن يؤكد بأنه كان فناناً ملتزماً لا يعرف (اللف والدوران) وتلك المهلكات التي نعرفها جميعاً.. وفي ذلك إشارة على انه فنان خلوق وعلى درجة عالية من التهذيب والأدب.
(3)
تفرّد شر حبيل وتميّز عن غيره من أبناء جيله لأنه عشق الموسيقى والغناء ويُجيد الحفظ، منذ نعومة اظافره حفظ اغاني عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ من الأفلام المعروضة بالسينما وهو في السادسة من عمره.. يقول شر حبيل إن الحس الفني الذي يمتلكه منبعه بيت الأسرة فوالدته والحبوبة أجادتا التمثيل والمحاكاة، فأضحكتا الناس كثيراً، بجانب الغناء والفن التشكيلي، ووالده كان يمتلك جهاز فونغراف وأسطوانات لأغاني الحقيبة والمارشات الإثيوبية.
(4)
وكما ورد في سيرته الذاتية أنه دخل كلية الفنون الجميلة وكان قد أحرز المركز الأول في امتحان القدرات ومارس الفن التشكيلي ولكنه كان مجرد نشاط، إلّا أنّه كان يزور مكتب النشر، حيث مجلة الصبيان ويقوم ببعض المهام، وبعد التخرج عمل فيها وطوّر في شخصية عمك تنقو على أسس شبيهة بوالت ديزني وميكي ماوس، ودخل شر حبيل مرحلة التشكيل وساهم في وضع كثير من الخرط والصور بالمناهج التعليميّة في كل المراحل ومجلات خاصّة بتعليم الكبار والهدهد والباحث الصغير وبخت الرضا ورسالة معلم، وهي مجلات تعليميّة اختفت كلها للأسف.
(5)
شر حبيل أحمد كان دائماً وأبداً ومنذ بداياته الباكرة يبحث عن لونية موسيقية عرفها من السينما وفرق أجنبية تزور السودان، ولكنه لم يجدها في الغناء السوداني ويظل يفكر ويقارن ويتردد كل شهر على نادي سان جيمس لمتابعة فرقة gmh إلى أن تحصل على جيتار من دلالة وكان به 6 اوتار ولم يستطع وزنه وتعلم من طلبة جنوبيين من رُمبيك كانوا يجيدون العزف عليها وانضم إلى مجموعتهم الغنائية وطور في الجيتار فأدخل فيه ووظف جهوده لتطوير الأغنية السودانية الراقصة بكل ما يمكن من توظيفة من حداثة مع الحفاظ على الروح القومية للأغنية، وبنهاية عام 60 كوّن فرقة خاصّة به.
(6)
إنها بعض لمحات عن سيرة ومسيرة هذا الفنان العظيم.. نضئ عليها لنقدم للأجيال هذا النموذج الباذخ لماهية الفنان والكيفية المفترضة.. لأنّ الفنان ليس صوتاً فقط ولا هو اختيار جيد لربطات العنق والبِدَل.. وإنما الفنان منارة يهتدي بها الآخرون.. وشر حبيل منارة وفنارة مازالت تضئ.. ونسأل الله أن لا تنطفئ، وأن يحفظه لنا سالماً من كل شر.. لأن هذ الرجل نحبه جداً.
.