الغالي شقيفات يكتب : أكل المال العام
25يناير 2023
ازدادت في الآونة الأخيرة، عمليات السطو والنهب وأكل أموال الناس بالباطل، وكما يقولون قلّت مخافة الله وأصبحت استباحة المال العام ثقافة، والمؤسف جداً أن أحدهم شاب وقوي يُقبض في عملية نشل أو سرقة وهمه فقط الكسب المالي، لا يهمه حرام أو حلال وينفرد عمل بلا أخلاق.
نعم المال شيء مهم جدًّا في حياة البشر لا يستطيعون أن يستغنوا عنه أبداً، وإلا اضطربت حياتهم اضطرابًا شديدًا. ولأهميته البالغة جاءت الشريعة بحفظ الأموال والعناية بها، والحرص عليها، وجعلت الشريعة المال على قسمين؛ مال حلال يجوز أخذه والانتفاع به، ومال حرام لا يجوز أخذه ولا يجوز الانتفاع به. وجعلت للمال الحلال وسائل وقنوات يُكتسب من خلالها، وما أُخِذ بغير ذلك من الطرق المنحرفة؛ فإنّه مال حرام لا يجوز أبداً أن يُؤخذ، أو أن يؤكل، وحذرت الشريعة من هذا النوع من المال أشد التحذير قال الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)، ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الحج الأكبر خطيبًا بين الناس وقال لهم: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”، وشدَّد في ذلك غاية التشديد.
وكان النظام السابق المتاجر بالدين يتحدث عن الشريعة وحفظ المال العام، ولكن أثبتت التحريات وسجلات القضاء أنهم هم الأكثر فساداً والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية أثّرت على السلوك والمشهد السياسي والمحافظة على الأموال العامة منبعه النفس والضمير، بجانب السلطة التنفيذية والرقابة الشعبية، فعندما يدرك المواطن أن هذا الشارع أو أن أثاث المدرسة مدفوعٌ ثمنه من أموال الشعب، فإنه يتشكّل عنده سلوكٌ للحفاظ عليه من التلف، فالحفاظ على المال العام واجبٌ أخلاقيٌّ أكثر من كونه واجباً قانونياً يُحاسب عليه القانون.
ولقد نبه الدين الإسلامي إلى أهمية الحفاظ على المال العام وصونه من التلف وجعله أمانة في ذمة من يقوم عليه، عن عَدِي بن عُمَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه يَقُول: (مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولا يَأْتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ)،فقَام إَلْيهِ رجُلٌ أَسْودُ مِنَ الأَنْصَارِ، كأَنِّي أَنْظرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه اقْبل عني عملَكَ، قال:(ومالكَ؟)، قَالَ: سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا، قَالَ:(وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه، فمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِى عَنْهُ انْتَهَى) رواه مسلم .
فشيوع فكرة المسؤولية الفردية والجماعية في المحافظة على المال العام يعود على الدولة بالرقي والتقدُّم، فالأمر أشبه بالحلقة الدائرية من حيث دوران المنفعة وتمتُّع الناس بها. ودوران المضرة وعودتها عليهم، فالجزاء من جنس العمل.
أيضاً، المطلوب التخلِّي عن الأنانية وتخريب الممتلكات.. قبل عام كنت في طريقي لإسكان الصحفيين في دار السلام، لفت نظري تكسير الزلط من أجل توصيل سلك الكهرباء بالاتجاه الآخر وهذا في ولاية الخرطوم، ومطلوب تقديم برامج لتغيير السلوك في الإذاعة والتلفزيون وكافة وسائل الإعلام.