الإعلان الدستوري.. حُلفاء مُتشاكسون
تقرير: النذير دفع الله
بعد مَخاضٍ عَسيرٍ شَابَ المُفاوضات التي استمرّت زَهَاء الأربعة أشهر منذ سُقُوط النّظام السَّابق في الحادي عشر من أبريل كَلّمَا تَوَصّلَ فيها طرفا التّفَاوُض لاتّفاقٍ ينهي غليان الشارع.
بعد صَراعٍ عَميقٍ ومع الساعات الأولى لصباح أمس، تم الاتفاق بين طرفي التفاوُض على الوثيقة الدستورية، وبذلك تكون قد انطوت صفحة من صفحات الجدال وبداية خطوة جديدة نحو الدولة المدنية التي ينشدها الجميع، ولكن تَظل متاريس التّمَسُّك بالأهداف والغايات قائمةً داخل كيان الحُرية والتّغيير، سَيما الجَبهَة الثّورية التي لَدَيها مَواقف واضحة حَول التّرتيبات الأمنية وعملية السَّلام التي يجب أن تكون من أول مهام الحكومة الانتقالية المُقبلة من خلال إنشاء مفوضية السلام وغيرها، بل أصبح حال إعلان قِوى الحُرية والتّغيير فيما بينهم كشركاء متشاكسين، يتّفقون اليوم ويختلفون غداً، ولَكن يَظل أهم ما في الأمر هو أن تتّفق تلك القِوى المُكوّنة لإعلان الحُرية والتّغيير فيما بينها، وهو ما يُعتبر أكبر انتصارٍ نحو الدولة المدنية.
اتفاق منقوص
القيادي بالحزب الشيوعي صالح محمود قال لـ(الصيحة)، إنّ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحرية والتغيير حول الوثيقة الدستورية مُرحّب به من قِبل الحزب الشيوعي، وَأَضَافَ صالح أنّ الحزب أصدر بياناً يُوضِّح فيه موقفه من الاتّفاق، مُؤكِّداً أنّ المُوافقة التي رحّب بها الشيوعي تُعتبر مَشروطة ما لم يتم التّوافُق علي مُعالجة المطالب الجوهرية التي وردت في وثيقة الحُرية والتّغيير التي تَمّ الاتّفاق عليها مُسبقاً، منها ديمقراطية الدولة والحكم المدني بشكلٍ سليمٍ، وأوضح صالح انه لا بُدّ من تَحديد مَهام الفترة الانتقالية بصُورةٍ مُنفصلةٍ حول قضايا السلام ومُعالجة إشكالات مناطق النزاعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، إضَافَةً للسيادة الوطنية وحكم القانون وتطبيق العدالة والعلاقات الخارجية المُتوازنة التي تَسمح بإقامة جِوارٍ آمنٍ وسَلِسٍ يمنع التّدخُّل في شؤون الدول الأخرى وعدم السماح بالتّدخُّل في الشؤون السُّودانية من جانب الدول الخارجية، وأشار صالح إلى أنّ البيان أكّد ضَرورة قومية القوات المُسلّحة بالصورة المعروفة، وعدم السماح لأيِّ قُوّات أخرى أن تكون مُنفصلة من القُوّات المُسلّحة، مُبيِّناً ضرورة مُعالجة القوات التابعة للحركات المسلحة بعد العمل على اتّفاق سلامٍ شاملٍ، سيما تلك القوات التي نشأت في ظروفٍ خَاصّةٍ وبمراسيم جمهورية خَاصّة، وكشف صالح أنّ الاتّفاق النهائي لم يتم التّوَصُّل إليه حتى تاريخ اللحظة أو ظَلّ غَير مُتداولٍ أو مَنشورٍ، مُشدّداً أنّ أيِّ اتّفاق لا يشمل هذه البنود سيكون مرفوضاً من قِبل الحزب، وربما تلك الحركات المُسلّحة التي تَرَى في بعض البنود ضرورة يجب عدم التّنَازُل عنها.
الاتّفاق والهامش
رئيس حزب حركة تحرير السودان مبارك حامد دربين قال لـ(الصيحة): نحن عندما حملنا السلاح كانت لنا قضايا مُحَدّدة، منها قضايا الهامش التي طلبنا من المجلس العسكري وقِوى اعلان الحرية والتغيير أن تعالجها من خلال الاستماع لكل الِقوى السياسية، مُشدّداً أنّ الاتفاقية التي وقّعناها نحن كحركات مسلحة لم تكن مع النظام، وإنّما مع الدولة، سيما وأنّنا أوفينا كل مُتطلبات المرحلة الانتقالية، ولكن ما حدث من توقيع على الوثيقة الدستورية أصبح اتّفاقاً آخر بين العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير وعليهم تَحَمُّل أيِّ إخفاقٍ يحدث لاحقاً، وأشار دربين لوجود إشكالية داخل مُكوِّنات قِوى الحرية والتغيير، منها الجبهة الثورية والحزب الشيوعي، عليه فإنّ الاتفاق حول الوثيقة الدستورية سيكون ناقصاً وتُسِّبب الكثير من الإشكالات لاحقاً، خَاصّة وأنّ الذين عملوا على توقيع ذلك الاتفاق يسعون للسلطة أكثر من سعيهم لقضايا الهامش التي تمّ استغلالها تماماً مع قضايا الشباب والقضايا الأساسية التي تمّ تجاوزها ثم استغلالها في قضايا المركز فقط، وأبان دربين أنّ الدستورية لم تتطرّق لقضايا الريف السوداني الذي ظَلّ يُعاني طيلة فترة حكم الإنقاذ، منها مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان التي كانت بَعيدةً عن المركز تماماً، وأوضح دربين: تفاءلنا كثيراً بالتوقيع والاتفاق الذي تم في أديس إبابا إن يُعالج كل المطالب السابقة، بل كانت النظرة لاتّفاق أديس أبابا أنه يتم دمجه داخل الوثيقة الدستورية، ولكن يبدو أن جهات ما تسعى لعرقلة الأمر وتتحجج بحججٍ واهيةٍ، منها أن الذين وقّعوا على اتفاقية أديس أبابا لم يحملوا تفويضاً وهو ما يُعتبر تنصلاً من تلك الاتفاقية، ونبه دربين إذا لم تكن اتفاقية أديس أبابا جزءاً من الوثيقة الدستورية، ستضع المجلس العسكري وقِوى إعلان الحرية والتغيير في مأزقٍ ضَيِّقٍ يمكن من خلاله أن يرتفع سقف المطالب للهامش من المطالب بالحكم الذاتي وغيره وعدم القبول بمعالجة الإشكاليات، لأنّها تعتبر نفسها خارج مُؤسّسات السلطة، وعندها ستكون دولة مجموعات، وطالب دربين بعدم تكرار تجربة فَصل الجنوب التي تَعنّت فيها النظام السابق، وكشف دربين أن قِوى الحُرية والتّغيير تُعتبر صورة مُطابقة للنظام السابق بعدم اعترافها بالهامش مما يضطر ابناء تلك المناطق لتكرار ذات التجربة السابقة.