إلغاء عقوبة الإعدام.. جدلية الدين والسياسة
هل هذا وقته؟
إلغاء عقوبة الإعدام.. جدلية الدين والسياسة
تقرير- صبري جبور
تُعد عقوبة الإعدام في السودان قانونية بموجب المادة 27 من القانون الجنائي السوداني الصادر عام 1991م. يستمد القانون السوداني بنوده من الشريعة الإسلامية التي تنص على عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية.
أيضاً تُعد من بين العقوبات التي عرفتها البشرية منذ القدم، وأقرتها الديانات الثلاثة وتبنتها تشريعات معاصرة.. وفي هذا الإطار نص القرءان الكريم على عقوبة الإعدام في القتل العمد في قوله تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” وترفع هذه العقوبة بعفو أهل القتيل وقبول الدية، (فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ).غير أن هذه العقوبة أصبحت اليوم محل خلاف عالمي تعيشه العديد من الدول، بجانب أراء متباينة حول السياسة والشرع والقانون.
كان مستشار بمجلس السيادة ، قد أعلن عن الاتجاه لإسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص.. قطعاً ستحدث هذه الخطوة جدلاً واسعاً بين تيار رافض وآخر مؤيد، بينما قد يرى البعض أن ذلك لايخرج في سياق سياسي ضمن مطالبات البعض بإلغاء العقوبة.. فيما رحبت مفوَّضية حقوق الإنسان بالتوجه نحو إسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص.
بينما يرى المطالبون بإلغاء هذه العقوبة أنها انتهاكاً لحق الإنسان في الحياة، ويستندون على القوانين الوضعية التي جعلت الحق في الحياة، حقاً مقدساً لا يمكن المس به..وانتقد المقرر الخاص لحقوق الإنسان بالسودان في تقرير سابق ما اعتبره “غياب ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين الذين يواجهون عقوبة الإعدام”.
إسقاط عقوبة الإعدام
أعلن مستشار مجلس السيادة مهدي عن الاتجاه لإسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص.
وسجل نائب رئيس القضاء الأمين الطيب، يرافقه مستشار مجلس السيادة مهدي ومدير قوات السجون الفريق شرطة حقوقي ياسر عمر، واللواء شرطة حقوقي عزمي عبدالله، مدير دائرة شؤون النزلاء، زيارة تفقدية للمنتظرين ومحكومي الإعدام بالسجن القومي الخرطوم بحري “سجن كوبر” .
وبحسب المكتب الصحفي للشرطة استمع الوفد إلى مشاكل وقضايا النزلاء، ووعدهم نائب رئيس القضاء بحل مشاكلهم في المحاكم المختلفة، في وقت بشَّر فيه مستشار مجلس السيادة بإسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص.
حقوق الإنسان ترحِّب
في السياق رحّبت المفوَّضية القومية لحقوق الإنسان في السودان بالتوجه نحو إسقاط عقوبة الإعدام في جميع القضايا عدا القصاص.
وقالت المفوَّضية، في بيان إنها تشيد بهذا التوجه وتشجعه بشدة “لكونه يعزز احترام وحماية الدولة للحق في الحياة بوصفه أهم حق للإنسان”.
وأكدت المفوَّضية على موقفها المبدئي بشأن عقوبة الإعدام انسجاماً مع المعايير الدولية، وطالبت الدولة باتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك تشجيع المصالحات بين أولياء الدم والمدانين قصاصاً بجرائم القتل العمد.
وجدَّدت المفوَّضية مطالبتها بمواصلة تجميد تنفيذ جميع أحكام الإعدام في أفق تكوين المحكمة الدستورية، من أجل إتاحة جميع سبل التقاضي والطعون لدى المحاكم الوطنية للمحكومين بعقوبة الإعدام، وتأكيدًا على أن عقوبة الإعدام تمس حقاً دستورياً وهو الحق في الحياة.
ستواصل المفوَّضية القومية لحقوق الإنسان جهودها بمشاركة المجتمع المدني، من أجل تعميق النقاش المجتمعي حول عقوبة الإعدام، ومن ثم تقديم توصيات بشأنها لمتخذي القرار.
اتجاه عدلي
يرى المحامي والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، أن إسقاط عقوبة الإعدام، هو اتجاه عدلي حقوقي، وعلق قائلا ( ” لأنو ماعادت عقوبة الإعدام في كل دول العالم معمول بها، ) وتابع ” تم إسقاط للعقوبة في عدد من الدول “.
وقطع عبد السلام في تصريح للصيحة بطرح هذا الاتجاه من أجل أن يواكب السودان التطورات التشريعية في العالم، وقال ” هذا رأي صائب باستثناء القصاص لأنه حق رباني “.
ويؤكد عمر أن هناك من يقول أن هذا الاتجاه أتى لافلات رموز النظام السابق من عقوبة الإعدام، وتوقع أن يجد هذا الطرح تحديات ومعارضة شرسة من بعض الناشطين السياسيين والجهات السياسية، وأضاف ” لكن هو تطور تشريعي بغض النظر عن مدلوله السياسي “.
ونوه عمر الى أن إسقاط عقوبة الإعدام يجد الدعم والتأييد الدولي، لاسيما أن الأخير لديه بعد في القضية السياسية في البلاد.
آراء متباينة
ويقول المحامي والخبير القانوني، وليد الطيب، في إفادة لـ(الصيحة)، أن اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، سيجد جدلاً واسعاً وآراء متباينة حول الخطوة لجهة أن البعض يرى أنها تأتي في إطار سياسي، وليس من حيث القانون والدين.
وأشار وليد إلى أن الإعدامات تدخل في الجرائم السياسية والدينية، وأخرى، لافتاً إلى أن الخطوة ستؤدي إلى انقسام في الشارع السوداني، وتخلق تذمُّراً من بعض السياسيين .
وأشار المحامي وليد الطيب، إلى أن اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، قد يكون خلفها جهة ما، من أجل الإفلات من العقاب، وقال: “يجب أن يتم إعادة النظر في جميع العقوبات الواردة في القانون الجنائي “.
وثيقة الحقوق
أقر دستور السودان للعام ٢٠٠٥ في وثيقة الحقوق، تقييد عقوبة الإعدام، حيث لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا قصاصاً أو حداً أو جزاءً على الجرائم بالغة الخطورة، بموجب القانون بجانب لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أو من بلـغ السبعين من عمـره في غير القصاص والحدود. وأيضاً لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام على الحوامل والمرضعات إلا بعد عامين من الرضاعة.
عقوبة قاسية
يقول الباحث في الشأن السياسي الطيب عبد الرحمن الفاضل، إن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة في فقه العقوبات، بل يعتبر أشد عقوبة رادعة في التشريع الجنائي.
ويؤكد الفاضل في إفادة لـ(الصيحة) “نحن في السودان بلد مسلم ونقر بالشريعة الإسلامية وعدد المسلمين فيه (٩٨%) تريد المنظمات الحقوقية أن نرتهن لها ونحتكم بقوانينها وهي التي تدعون إلى الحرية والديموقراطية.. هذا تناقض كبير .
وأبان” اليومَ نجد أن أصواتَ الذين يُنادون بإلغاء عقوبة الإعدام قد كثُرت وتعالت، بل إن كثيرًا من الدول قد ألغت هذه العقوبة، بحُجَّةِ أنها عقوبةٌ قاسية تتنافى مع القيم الإنسانية، وإن إزهاقَ روح الإنسان لا يقبله عاقلٌ، ولا يحكم به قانون عادل”.
ويشير الفاضل أن عقوبة الإعدام مصدر تشريعها من الله عز وجل، فهو خالق البشر ومُميتُهم، يعلم ما يُصلِح دينَهم ودنياهم، وذلك لأن عقولَ بني البشر تبقى قاصرةً في تفكيرها فلا تعرِف خفايا الأمور، فيمكن للإنسانِ أن يضعَ قانونًا يصلُح لبعض الناس ولا يصلح لبعضهم الآخر، يصلح لزمنٍ ولا يصلح لزمنٍ غيرِه، يصلح لمكان معيَّن ولا يصلح لغيره، فيه مصلحة لبعض الفئات وفيه مضرَّةٌ لغيرها، فإذًا لن يخرجَ الإنسان بنتيجة صحيحة يُجمع عليها باقي البشر، فالله عز وجل وحده القادرُ على وضع القوانين الصالحة لكل زمانٍ ومكانٍ، والمناسِبة لجميع بني الإنسان، والعادلةِ بينهم.