محمداني عبد الحميد رابح يكتب: شجرة الكرنو
محمداني عبد الحميد رابح يكتب: شجرة الكرنو
جئتُ إليهم يا سادة وأنا ابن الثامنة من العمر وهم في جلسة على ظل الضحى الذي كان يرميه ذلك الصريف المتآكل بفعل الزمان، البيوت عادةً ما تكون مفتوحة أمام الزائرين من الأهل والعشيرة والجيران، أصوات الدِيكة ما زالت تغطي المكان ومعمعات صغار الأغنام تتعالى بعد أن ذهبت كبارها إلى المرعىٰ، طقطقات بائعي الماء (خَرّاجْه) تكسو المنطقة بأسرها، ونداء (بت ابو نجيحة) وهي ترسل السلام للعمة زهراء (اللول) عند ذهابها لأداء واجب عزاء إلى حِلة (ام قَرقف) وموسيقىٰ صوت العصافير أعلى (شجرة الكرنو) التي كانت تتوسط المنزل توحي بالحياة النابضة والمفعمة بالحب والدفء، تقدمتُ خطوات نحو الشجرة وانا مُمسك بالنبلة أملاً في اصطياد طائر (التِريل) الذي كان عصيُّاً على النبلة.. وما أن رفعت يدي لاصطياده إلاّ وسمعت صوت الجد أحمد ود رابح وهو يردد بصوتٍ هَرِم (يا زهرة الليد محمد دي قولي ليهو يجي) انزلت يدي ورجعت خطوتين إلى الوراء وحاجز الصريف بيني والجدة والجد محمد الناقي وهم يتبادلون الحديث..
قبل أن أعود إلى البيت ارسلت حجراً بطريقة عشوائية أعلى الشجرة، عَمّ الهدوء المكان وبات صوت الجدة ام كَدسْ مسموعاً هذه المرة لأني كنت بالقرب منها وهي تقول مخاطبة للجد الناقي بعد أن استعدلت ثوبها (ابو قجيجة) ممررة يدها على وجهها الذي ظهرت عليه التجاعيد وعيناها اللتين انهكما الزمان تقول له بصوت مبحوح:
الدنيا دار التعب
والبيت ما بكرز بِلا شِعب
وكان الناس أبوك إلاّ إتّ كعب
وصلة
من مليط مكربت شاقي دار الريح
نازل بارا ام فتنة بتسر وتريح
واتياسر على التيارة صوتها بصيح
ونوخ تقلي في السهل الكبير وفسيح
فاصل
يهتفون دائماً (نموت كي يحيا الوطن) ويا ليتهم هتفوا (نحيا كي يحيا الوطن) فالوطن يعيش إذا كانت نفوس أبنائه على قيد الحياة فقط وليس بعدد القتلى وإلاّ ذهبت التضحية بالارواح سُدىّ.
علي ابراهيم الموسوي
فاصل اخير
حبيبي الدنيا قساية
ابت ما تبقى رضاية
عيون في الغربة بكاية
دموع تمشي ودموع جاية