صلاح الدين عووضة يكتب : وجه القمر!
22يناير 2023
والقمر جميل..
أو يبدو هكذا وجهه الذي يُواجهنا – ونُواجهه – ليلاً؛ سيما عند تمامه بدراً..
أما وجهه الآخر فمظلمٌ..
والذي نراه جميلاً هذا ذاته عند عكسه لأشعة الشمس ليس جميلاً في حقيقته..
وكذلك من البشر من نرى وجهه قمراً..
بينما دواخل صاحبه أبعد ما تكون عن الجمال؛ قبحاً… ولؤماً… وشراً..
ولي مع القمر حكايات… وروايات… وذكريات..
سواء قمر السماء… أو أقمارٌ هنا في حياتي بالأرض؛ اسماً… أو وجهاً..
وذلك على غرار برنامج أسماء في حياتي..
أو وجوه في حياتي شُبِّهت بالقمر؛ كذاك الذي رويت تجربتي معه بكنانة..
وقلت إنّني لم أر إلا الوجه المُظلم للقمر هذا..
وجاءت تحت عنوان: القمر في كنانة؛ وهو اسم مقطوعة موسيقية شهيرة..
وكان مسرح تلكم القصة مصنع السكر هناك..
وذات مساء – بحلفا – كنت أداعب شقيقي حسام؛ والقمر يضحك لضحكنا..
وهو لم يكن قد تعلم فصاحة اللغة بعد..
غير أنه تكلم معي بيده… وعينيه… وغمغمات لسانه… بأنه يود الذهاب إليه..
فقلت مداعباً: الشارع نعم… الدكان نعم… أما القمر فلا..
ثم أضفت: اذهب إليه وحدك؛ فذهب وحده… إلى القمر… وإلى السماء..
ذهب بروحه؛ وبقي وجهه الذي كالقمر على الأرض..
ومناسبة كلمتنا هذه اليوم نقاشٌ مع صديقٍ عاشق للجمال… وكارهٍ للقبح..
وقال إن كل ذاكرٍ لجمال القمر ناءٍ عن نكد الأرض..
وأقبح ما في الأرض – يقول – نكد مناكيد السياسة الذي يسوِّد وجهها..
وهؤلاء لدينا منهم كثيرون؛ يقول باسماً..
فسألته إن كان يعرف الصحافي الساخر محمود السعدني فأجاب: نعم..
فقلت له هو الوجه الآخر لأخيه صلاح السعدني..
كلٌّ منهما له وجه القمر – جمالاً – في مجاله؛ أحدهما كتابةً… والثاني تمثيلاً..
والأول هذا له رواية اسمها حتى يعود القمر..
ورغم الوجه الجمالي – الساحر – للعنوان هذا إلا أن لها وجهاً آخر كالحاً..
أو كما وجه القمر الذي لا نراه ليلاً..
فهي تحكي عن عملاء يتعاونون مع المستعمر… وفدائيين يعملون ضده..
ثم يروي جانباً من معايشته لجماعة من الفدائيين هؤلاء..
وعلى ما أذكر كانت تتخذ من أحد الجبال مأوى لها – ولسلاحها – بالإسماعيلية..
فأراد قائد الجماعة أن يكرم السعدني..
فبعث أحدهم إلى المدينة لينظر أيها أزكى طعاماً ليأتهم برزقٍ منه؛ وليتلطف..
ثم أمره بأن يحمل معه سلاحه..
فلما رأى الدهشة في عيني السعدني قال: أصل دي عالم تخاف ما تختشيش..
فازداد السعدني دهشة..
ودهِش محدثي حين قلت له إن حكمة الفدائي هذه نحتاج إليها في بلادنا..
فثمة وجوهٌ يراها البعض كالقمر جمالاً..
بينما عين الحقيقة لا تبصر إلا الوجوه الأخرى – المظلمة – للأقمار هذه..
والبعض هذا هو المبهور بما يظنه جمال ق ح ت..
بينما حقيقتها أنها للثورة سارقة… وإلى المناصب ساعية… وفي الغيِّ سادرة..
ومن يُريد التفاوض معها فليتسلّح بأسباب القوة..
فهي تنطبق على رموزها تماماً مقولة: أصل دي عالم تخاف ما تختشيش..
وكل أفعالها تدل على أنها لا تخجل؛ ولا تستحي..
حتى وهي تعلن – بفرح – عن انضمام الحزب الناصري الوحدوي إليها..
وهو – في حقيقته – مجرد شظية منفلتة..
انفلتت من حزبٍ هو ذاته مجهري؛ كأحزابها ذات الوجه الآخر للقمر..
الوجه المظلم!.