محمد طلب يكتب: إطلالة بين نصين (3)
محمد طلب يكتب: إطلالة بين نصين (3)
إلحاقاً لمقالاتنا السابقة حول نص اغنية محمد وردي كلمات اسحاق الحلنقي (يللا وتعال يللا) ومقارنتها بأغنية مصطفى سيد أحمد للشاعر حافظ عباس (والله نحن مع الطيور)، سوف ندلف مباشرة للمقاربة والمقارنة بين النصين ونترك التقييم النهائي للقارئ الكريم والملاحظ أن كلتا الأغنيتين تحملان معاني الدعوة للهجرة والرحيل كل على طريقته مع (المحبوب) وبه وربما إليه، فأغنية وردي يفتتحها بلحنها الرائع الجميل كالاتي:
يللا وتعال يللا
نهاجر في بلاد الله
ننسى الناس ينسونا
وفوقنا الطيبة تتدلى
نعيش زي الطيور ما تعيش
وتفرد لجناها الريش
تضمنا عشة الريدة
ويفوت فوقنا الغمام تعريش
نلاحظ أنه نص غارق في حب الذات وإن ارتبط النص بـ(فرد) آخر ليكونا حالة (زوجية) إلا أنك في النص لا تجد ما يوحي بحالة (الأعمار) والبناء إنما هي حالة (توهان من واحة لواحة) وعند الغوص في النصوص لا يمكن المعالجة بعيداً عن الحالة الشعورية للشاعر والتي نتلمسها من خلال النص الموجود أمامنا وليس من خلال القصص المنسوجة حوله والتي أحسب أن معظم خيوط نسيجها مأخوذة أيضاً من ذات النص وهذا واضح جداً في القصص الكثيرة المنسوجة حول أغنيات الحقيبة.
ويبدو لي بعيداً عن (الصناعة) النص اعلاه هو حالة حب (لمحبوبة أنثى) في حوجة للهجرة والرحيل بعيداً عن (دنيا الناس) وربما الوصول للحالة التي تغنى بها محمد ميرغني:
(ضمتنا جلسة ريد نستنا دنيا الناس لا شفنا فيها ملل لا طاف علينا نعاس)
أو مثل تلك الحالة التي يتلاشى فيها الزمان والمكان والتحليق في اللا زمان واللا مكان كما جاء في أغنية الكابلي:
(تحلق بي حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر)
وهذا هو اللا مكان الموجود فقط في مخيلة الشاعر ومشتهاه (لا واقعي) ويوجد فقط في مخيلة الشاعر وهو فعلاً ما جاء في نص الحلنقي:
(ننسى الناس وينسونا وفوقنا الطيبة تتدلى)
وأحسب أنه من هنا أتى وجه الاختلاف الكبير بين النصين موضوع المقال رغم تشابههما الكبير في الهجرة والرحيل رغم أن أحدهما رحيل عن (دنيا الناس) ونسيانها والآخر الانتماء لها والهجرة الأصيلة إليها وتعميرها:
والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطه ولا في إيدها جواز سفر
نمشى في كل المداين نبني عشنا بالغناوى وننثر الأفراح درر
والربيع يسكن جوارنا والسنابل تملا دارنا والرياحين والمطر
ونلاحظ هنا القسم والصيغة الجماعية التي ابتدر بها الشاعر حافظ عباس النص الرائع (والله نحن)، والتأكيد على روح الجماعة مع (الحبيبة الوطن) وترجم ذلك في نهايات النص (والحبيبة تغني لينا لا هموم تسكن دروبنا ولا يلاقينا الخطر).
ولك الله يا وطني فقد أصبحت كل حياتنا هموم والخطر يحفنا من كل الجوانب وننتظر (أولادنا السُمر).
واضح أن النص الأول للرائع وردي يحمل كماً هائلاً من الذاتية، أما نكران الذات في النص الثاني لمصطفى كما الشمس في كبد السماء وربما مرد ذلك إلى أن كل نص يتحدث عنَ محبوبة مختلفة ومضامين تعبّر عن تلك الحالة….
وختاماً ربما نعود لبقية تفاصيل الأغنيتين أو نكون قد فتحنا الباب للقراء والنقاد لمزيد من التأملات خصوصاً في قضية البناء والتعمير التي ارتبطت عند شاعر النص الأول الحلنقي بتواضع الأحلام والأمنيات وربما الكسل وموت الأحلام رغم المجهودات العظيمة كما جاء في أغنية البلابل والاكتفاء بـ(عشة صغيرة):
عشة صغيرة كفاية علينا
عشة صغيرة نعرشها ليك برموش عينينا
عشة صغيرة نفرشها ليك بحرير إيدينا
بينما أحلام شاعر النص الثاني حافظ عباس، لا تحدها حدود (والرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن):
لما أولادنا السمر يبقوا أفراحنا البنمسح بيها أحزان الزمن
نمشي في كل الدروب الواسعة ديك والرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن
إيدي في إيدك نغني.. والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في إيدها جواز سفر
سلام