الخرطوم : عوضية سليمان
تفتح الدعوة التي طالب بها الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ بتمثيل أكثر من امرأة في المجلس السيادي وأن يكون مناصفة وبذات القدر الذي يمثل به الرجل (50%) تفتح (باب الجدل) مجدداً حول مشاركة المرأة في مستويات الحكم والسلطة المختلفة، فالشيخ برر مطالبته تلك بأن المرأة لعبت دوراً محورياً كبيراً، وأشار إلى أن رئيس الحزب عمر الدقير قال إن الثورة أنثى، وأضاف: المرأة تستحق لما قدمت من تضحيات، وقال: لأول مرة في تاريخ السودان تتساقط النساء شهيدات فداء للوطن والثورة، وقال إن هنالك شهيدات ومفقودات ومغتصبات، فالتمثيل بأكثر من امرأة واحدة تستحقها بجدارة.
نضال سوداني
بالعودة لتاريخ مشاركة المرأة السودانية في الحياة السياسية، فقد كان مشواراً طويلاً جداً بدأ بتعليم المرأة. ففي عام 1907، افتتحت أول مدرسة ابتدائية لتعليم البنات في السودان على يد المرحوم الشيخ بابكر بدري، مؤسس مدارس الأحفاد، التي أصبحت جامعة الأحفاد للبنات للدراسات الجامعية العليا شكلت تلميذات هذه المدرسة أول نواة لمشاركة المرأة في النضال السوداني لنيل الاستقلال وتجلّى ذلك في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، بعدما ولدت من الحركة الوطنية وهي في قمة ذروتها وغليانها من أجل الاستقلال.
يقول متابعو مسيرة صعود المرأة في الحياة السياسية إنّ المشاركة في الأحزاب السياسية بدأت سرّاً في الأحزاب العقائدية (الحركة الشيوعية وحركة الإخوان المسلمين) ومع جهود الحركة النسائية، استطاعت المرأة الحصول على الحق السياسي الجزئي عام 1952 عند انتخاب أول برلمان، الجمعية التأسيسية للفترة الانتقالية التي سبقت الاستقلال الوطني. حينذاك، اعتُبر ذلك الحق جزئياً لأنه كان لخريجات الثانوية وما فوق، وكان عددهن محدوداً، كما أنه كان مقيّداً بحق التصويت فقط.
وفي عام 1964، نالت النساء الحق السياسي الكامل في الترشيح والاقتراع بعد مشاركتهن الفاعلة في إنجاح ثورة أكتوبر الشعبية التي أسقطت أول حكم عسكري في السودان. كانت نتيجة تلك المشاركة دخول أول امرأة سودانية البرلمان مرشحة مستقلة في دوائر الخريجين، ألا وهي رئيسة الاتحاد النسائي السوداني آنذاك. أعقبت هذه البداية نجاحات متفاوتة في دخول الجهاز التشريعي، حيث جاء تعيين نساء في الاتحاد الاشتراكي- البرلمان- في عهد الرئيس جعفر نميري في السبعينيات من القرن الماضي وفي المجلس الوطني- البرلمان- في التسعينيات منه. وشكلّت آخر انتخابات جرت في السودان عام 2010 برهاناً ساطعاً على الوجود القويّ والفاعل والمؤثر للمرأة السودانية على الخارطة السياسية، في تلك الانتخابات، تقدّمت الدكتورة فاطمة عبد المحمود كأول امراة تترشّح للرئاسة في السودان. يومذاك قالت إنّها تدري أنّ حظوظها تكاد تكون معدومة، لكنّها ترسّخ حقاً نالته المرأة السودانية بعد نضال طويل. ومن المحتمل أن تعيد عبد المحمود الكرّة في الانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل.
مسؤولية الجميع
المتابع لمشاركة المرأة السودانية السياسية عبر الحقب المختلفة يلحظ أن المرأة كانت شريكة في صنع القرار بمختلف مستوياته التنفيذية والتشريعية والسياسية، فالمرأة السودانية ظلت تنافح الرجال كتفاً إلى كتف متوّجةً حصاد مسيرة طويلة من النضال لنيل حقوقها في المشاركة السياسية والحياتية العامة، وقد شهدنا المرأة السودانية في ردهات القصر الرئاسي، حيث تولت المرأة أرفع المناصب كمستشارة للرئيس، وامتدّ وجودها في الجهاز التنفيذي من خلال عدد من الحقائب الوزارية. ومن على المنصة التشريعية، تربّعت المرأة منصب نائب رئيس البرلمان السابق حيث نالت النساء ربع المقاعد بحق كفله الدستور والقانون .
وتأتي أهمية مشاركة المرأة السياسية كون أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع، وهي الجناح الآخر للوطن، بدورها تكتمل جميع الأدوار المجتمعية، وقضية مشاركة المرأة في صياغة القرار الوطني هي قضية مجتمعية، تحتاج إلى وعي جميع أفراد المجتمع، ويعتقد البعض أن هذه القضية هي قضية تخص النساء فقط (قضية نسوية)، إلا أن الصحيح هي قضية جميع أفراد المجتمع، فمشاركة المرأة السياسية هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع وليست من مسؤولية المرأة، فالمرأة بتكوينها الإنساني الخلقي قادرة على هذه المشاركة، وذلك من خلال التفاعل مع قضايا الرأي العام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء بحضورها الندوات وورش العمل وبالكتابة عنها في الصحف والمجلات وفي المواقع الإلكترونية الإيجابية، كذلك من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، ترشحاً وانتخاباً، والانضمام إلى الأحزاب السياسية وترؤسها لها، وفي بعض الدول تصل المرأة إلى الترشح لرئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، وكثير من النساء يتحملن مسؤولية رئاسة مجموعة من مؤسسات المجتع.
غبن وظلم
(مهما فعلنا من أجل المرأة فلن نوفيها حقها، وجاء الوقت المناسب لنرفع من شأن المرأة في السودان).
هذا ما بدأ به حديثه لـ(الصيحة) المحلل السياسي السفيرالرشيد أبو شامة، الذي يضيف بأن قدرات المرأة ظهرت في الأحداث الأخيرة، وكان دورها فاعلاً، مشيراً إلى أن هذا الدور لا يقل عن دور الرجل كثيراً، فإن المرأة لها تاريخ عظيم في تقلد المناصب والأحداث السياسية التي شهدها السودان منذ الأزل، لذا جاء الوقت المناسب الذي نرفع فيه من شأن المرأة العظيمة التي عرفت أصالتها في أحداث السودان الأخيرة، وكان دورها واضحاً وهميماً ومسؤولاً داخل القيادة برفقة أسرتها بجانب الشباب والفتيات الذين كانوا لهم قضية واضحة، وهي المطالبة بإسقاط النظام عبر هتافهم وكلماتهم التي تعبر عن أن هنالك امرأة من حديد وامرأة من نار وامرأة من أسرة سياسية، وامرأة وطنية تحمل علم السودان وامرأة ترسم علم السودان على خدها، وأسر تمرح داخل ساحة الاعتصام دون الخوف على أطفالها، بل ساندوهم عبر الزيارة إلى ساحة الاعتصام.
وقال إن المرأة عندما يستشهد زوجها أو ابنها لم تفجع بل كبرت وهللت، ولم تذهب من موكب الأحداث، وكانت تنادي من أجل الوطن، لذلك فإن المرأة تستحق لأنها تحمل قضية بهِمّة في مرحلة صعبة جداً من المراحل التي مر بها السودان خلال الاحتجاجات الأخيرة.
ولا يمانع أبو شامة من مشاركتها بنسبة 50% لأنها ــ بحسب ا بوشامة ــ تستحقها بتاريخها الحافل ودورها الفعال في الأحداث السياسية، وقال إن مشاركتها بهذه النسبة تعد حافزاً لها من الغبن والظلم التي عاشته المرأة. وقال إن المرأة السودانية السياسية لها صدى واسع خارج السودان، مشيراً إلى عدة نماذج لذلك، منوهاً إلى أن المرأة السودانية تهتم بالسياسة حتى ولو كانت ربة منزل، مستشهداً بخروج عدد كبير من النساء إلى الشارع مناديات بإسقاط النظام دون أن يعرفن القضية التي يُنادين من أجلها، مضيفاً بقوله: (الوطنية موجودة في النساء يستحققن المنصب الدستوري، وقال إن المرأة السودانية كانت قاضية وتحدثت عنها زوجة السادات عبر مقابلتها مع القنوات الفضائية، ونحن نفتخر بأن المرأة السودانية وضعت لنفسها مركزاً سيادياً وجاءت الفرصة لنمنحها حقها الحقيقي .
ترويج سياسي
وفي المقابل، فإن المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس انتقد المطالبة بتحديد نسب مشاركة المرأة في السلطة وعدها مزايدة لا أكثر، ويضيف أبوخريس في حديثه لـ(الصيحة) أن من ينادي بتحديد مشاركة المرأة السودانية في المجلس السيادي بهذه النسبة 50% ، فإنه يزايد سياسياً، لأن دور المرأة معروف في كتاب الممارسة السياسية لها بالسودان، مضيفاً بأن مطالبة الشيخ بتخصيص نسبة 50% لمشاركة المرأة داخل السيادي تعتبر كلاماً غير واقعي، وما جاء به شعارات سياسية وبعيدة جداً عن الواقع، وأضاف: (التصريحات السياسية التي تنادي بها القيادات السابقة هي ترويج سياسي)، موضحاً أن حصة المشاركة تم توزيعها ورشحت أسماء لها وزنها من المشاركة، مضيفاً بأن بعض السياسيين يتقرب زلفى لتحديد سقوف المشاركة للمرأة، ولكن المشاركة موجودة من قبل الاستقلال وفي كل الاتجاهات السياسية والاجتماعية، مشيراً إلى أن فرص المشاركة باقية لها في قيادة العملية السياسية عبر تزعمها القوى السياسية الموجودة الآن وأن المرأة تصل مشاركتها على مستوى الأحزاب السياسية ودورها واضح ولنا نموذج مشهود ولها وضع خاص، لذلك لابد أن يوضع لها شيء من النسبة أقل من 25 إلى 30%، وهذه النسبة لا تضر بالنسبة للمرأة باعتبار أن لها دوراً في التخطيط والتدبير وأن المرأة من الممكن أن تكون رئيس مجلس وزراء.